رغبتان ملحتان
| حسن م. يوسف
«طَوَى الجَزِيرَةَ حتى جاءَني خَبَرٌ / فَزِعْتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذِبِ»
كما الخاتم أحاط بي بيت المتنبي هذا ونطق بلسان حالي عندما قرأت، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نبأ إعدام الشاعر بشير العاني وابنه إياس من قبل تنظيم داعش في دير الزور قبل أيام. مَثَلَ بشير العاني في خيالي حياً باسماً، فرحت أستعيد، بكثير من الأسى، لحظاتنا معاً عندما سافرت إلى دير الزور كعضو في لجنة تحكيم مسابقة القصة ضمن إطار المهرجان الأدبي التاسع لطلبة سورية الذي استضافته مدينة الفرات في التاسع من نيسان عام 2006.
أعدت قراءة الخبر، فشعرت بحرارة يد بشير العاني في يدي، وهو يصر بدماثة ولطف على دعوتي إلى بيته. وبينما كنت أستعيد تفاصيل ضيافته الكريمة ضاقت الدنيا بي على رحبها. فأعدت نشر الخبر على صفحتي مع بضع كلمات تعبر عن شعوري العميق بالخسارة، ولأن وسائل التواصل الاجتماعي لها تاريخ في الكذب إذ إنها أعلنت مؤخراً وفاة حنا مينة وأيمن زيدان وشكران مرتجى… الخ، لذا رحت أبحث عما ينفي الخبر أو يؤكده. وقد عثرت على ضالتي عند الصديق الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، الذي نشر على صفحته لسان حال أكد فيه أنه اتصل بعدة جهات في دير الزور منها زبير سلطان رئيس هيئة مكتب اتحاد الكتاب في المدينة، الذي نفى تأكده من الخبر. وتمنى على: «الجهات الإعلامية والزملاء عدم نشر أيّ شيء، وفي حال صحّ الخبر، لا سمح الله، فسيكون للاتحاد قوله وبيانه في هذا الشأن».
بناء على ما سبق حذفت الخبر عن صفحتي، وتمنيت أن يكون كاذباً، لكن النبأ واصل النمو والتدحرج ككرة ثلج وتحول قبل كتابة هذه الكلمات إلى سلسلة من المقالات المطولة، شاركت فيها أكثر الجرائد العربية رصانة.
اتصلت بالصديق الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب، فأكد لي مجدداً أن اتصالاته بابن عم الشاعر بشير العاني المقيم في دير الزور، وبمختلف الجهات الرسمية والأهلية في المدينة لم تؤكد صحة نبأ إعدام الشاعر الذي اختطف مع ابنه في مطلع العام الحالي وتمنى عليَّ أن أنقل رغبته للجميع بأن: «يكفُّوا عن العبث بدم ومصير شاعر موهوب وزميل عزيز هو عضو في اتحاد الكتاب العرب».
الرغبة الملحة الثانية التي أريد نقلها في هذه الزاوية ائتمنت عليها من قبل شخص التقيته مصادفة عند إحدى محطات الوقود، ولا أعرف اسمه ولا أي شيء عنه سوى ما قاله لي. وصف الرجل نفسه بأنه «معارض مزمن أمضى أربعة عشر عاماً في سجون النظام» وهو يريد مني أن أنقل رسالة منه «لكل المعارضات ولكل السوريين في الخارج والداخل».
شد على يدي كما لو أنه يخشى أن أهرب! قال: «قبل مدة قرأت على لسان واحد من معارضي الخارج، كنت فيما مضى أكن له شيئاً من الاحترام قوله: «إن شعبنا مستعد لأن يصبر خمس سنوات أخرى إذا اقتضت الضرورة ذلك»! وأنا أريد منك أن ترد في جريدتك على ذلك الطبل. قل له: إن شعبنا لم يعد قادراً أن يصبر أكثر، وإنه ليس من حقه أن يتكلم بلسان شعبنا، لأنه لم يعد من هذا الشعب، منذ أن صار يقبض بالدولار وينزل في الفنادق الفخمة! قل له بل قل لكل السوريين المعارضين منهم والرماديين والموالين، داخل سورية وخارجها:
إذا لم تبادروا لبذل كل طاقتكم لإيقاف هذه الحرب-الجريمة التي أكلت لحم الآلاف من أبنائنا وقضمت حتى الآن ثمانية أتساع قيمة ليرتنا السورية، فستنزل عليكم لعنة التاريخ والجغرافيا والرياضيات والكيمياء والفيزياء… وكل لعنات شعبنا من مختلف الاختصاصات على مدى أزمنة سورية وأمكنتها، وبكل لهجاتها!