من دفتر الوطن

عبارة على «الأفيش»!

| عصام داري

في مسيرتي مع مهنة المتاعب الكثير من المواقف الطريفة والغريبة، والتعرجات والتغييرات غير المحسوبة، والتي كان لها دور في تحويل مجرى حياتي، وخياراتي.
تذكرت تلك المرحلة التي شهدت خطواتي الأولى في درب الصحافة، ورأيت أن أسجل بعضاً من تلك الذكريات والمواقف، وأن أخطف من دفاتري العتيقة حكاية صغيرة فيها بعض الطرافة، والمعلومات التي يجهلها معظم الناس، حتى من كان يعرفني بشكل جيد.
لم أبدأ حياتي المهنية محرراً سياسياً، بل مراسلاً لعدد من الصحف العربية يتابع الفن والفنانين وأخبارهم وينشره في تلك الصحف، وهذا الأمر أدخلني إلى دائرة الفن وقربني من العديد من الفنانين الذين تربطني بهم علاقة صداقة قوية حتى اليوم.
هذا الأمر قادني إلى تأليف عدد من المسرحيات الكوميدية التي عرضت على مسارح دمشق، ولعل تجربتي الأولى في كتابة المسرحيات تبدو غريبة عجيبة، فقد دعاني صديق مخرج إلى حضور مسرحية من تأليف مخرج معروف، وفي نهاية العرض سألني عن رأيي بصراحة، فقلت له:
بكل الصراحة الموضوع تافه وأنا باستطاعتي أن أكتب أفضل منها (على ركبة ونص)، أي من دون أي جهد. قال لي: وأنا أنتظر أن تكتب لنا مسرحية.
بعد مرور نحو شهرين سألني صديقي المخرج عن المسرحية! فاستغربت سؤاله وسألته عن أي مسرحية يتحدث، فذكّرني بحديثي السابق واعتبر كلامي موافقة على كتابة المسرحية، فضحكت واعتذرت منه وقلت له: لقد كان ذلك مجرد كلام للتعبير عن عدم اقتناعي بالمسرحية السابقة.
ذهل الرجل وأبلغني أنه حجز المسرح وأعطى سلفاً للممثلين والممثلات وأنني إن لم أكتب المسرحية (فسينخرب بيتي)!.
لم يكن لدي من الوقت ما يكفي لأفكر وأتدبر، فأخذني المخرج إلى مكتبه مساء، وهيأ لي كل ما أريده من أجواء للكتابة، بل أرسل في طلب وجبات عشاء وعصائر وغير ذلك، ليأتيني الإلهام! وهكذا وجدت نفسي معتقلاً لدى هذا الصديق الذي ورطني في شأن لم أكن أتوقعه في حياتي.
الغريب أنني انتهيت من كتابة المسرحية في ثلاث ليال فقط، حيث كنت أبدأ الكتابة في نحو الثامنة مساء، وأنتهي مع طلوع الشمس. لكن الأغرب أن المسرحية لاقت نجاحاً كبيراً واستمر عرضها عدة أشهر، وأغرب من ذلك أنني نسيت اسم المسرحية، وأنني لا أملك نصها مطبوعاً، ولم تسجل للتلفزيون ولا على أشرطة الفيديو!.
بعد ذلك ألفت أكثر من سبع أو ثماني مسرحيات لا أحفظ أسماءها، وليس لدي أي وثيقة تثبت أنني كتبتها، وقد قرأ النصوص التي ألفتها كبار الكتاب والأكاديميين المسرحيين في مقدمتهم الراحل الكبير محمد الماغوط، والدكتور نبيل الحفار والدكتور عجاح سليم الذي قال لي:أنت لا تكتب مسرحاً تجارياً بل مسرح شعبي.
من العبر التي تعلمتها من تلك التجربة أن هناك من يخاف من كلمة واحدة، وليس من الجرأة في الكتابة فحسب، من ذلك أن وزارة الثقافة حينها منعتنا من كتابة عبارة (مسرحية كوميدية ناقدة) على «الأفيش» وطلبت مني شطب كلمة «ناقدة» لأنها كلمة ترعب أولئك الذين يبنون قصورهم الزجاجية على الرمال المتحركة.
لكنني كنت أكتب المسرحيات الناقدة واللاذعة، ولم أكن بحاجة لكلمة إضافية على الأفيش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن