ثقافة وفن

من يعطِ يعطَ..

| د. اسكندر لوقا

لا أعتقد أن أحداً يستطيع الطلب إلى فاعل الخير أن يتوقف عن عمله هذا قائلا له: توقف واترك عملك هذا لسواك.
فعل الخير، هو من حيث المبدأ، غريزة في الحياة لدى الإنسان، وإن كانت لا تبدو عملا ظاهرا للعيان عند العديد من الناس، وذلك على نحو التوصية التي تقول إن ما تصنعه بيدك اليمنى لا تدع الأخرى تعلم به، ليكون للعطاء قدسيته وقيمته على أرض الواقع.
إن فعل الخير، من ناحية أخرى، يشكل، لدى كثيرين ممن نعرف، مناخاً ذاتياً للشعور بالفرح والارتياح، وهذه مسألة لا يختلف عليها اثنان كما أقدر، ذلك لأنها تتصل بقناعة الإنسان ذاته بأن ما لديه يكفيه، وبالتالي ينمو لديه الشعور بأنه يفعل شيئا مفيدا من أجل الآخر.
من هنا تتوالد في أعماق الإنسان عناصر الشعور بالفرح، خصوصا إذا هو أحسن اختيار الآخر الذي يتوجه إليه بالعطاء. وفي سياق هذه الرؤية، تسقط الحواجز بين الإنسان والإنسان في ذاته، كما تسقط بينه وبين الإنسان الآخر.
العطاء، في سياق التعامل بين الناس، هو جزء من هوية البشر، ويزداد وضوحا مع تقدم العمر، وخصوصا في حال كان ضمن بيئة تؤمن بأن من يعطِ يعطَ. ولا يحتاج أحدنا إلى برهان كما أعتقد في حال كان الإنسان مؤمنا بأن الطبيعة البشرية، منذ أن كانت، تميل إلى الجمع أكثر من ميلها إلى الفرقة. وفي سياق الضرورة لتقوية هذه الصلة، يندرج العطاء، كظاهرة تضامن وتآخٍ بين من يملك ومن لا يملك، بين من هو قادر على فعل الخير وبين من هو محتاج لفعل الخير وغير قادر على فعله.
في الزمن الصعب الذي نعيشه، لا بد أن تأخذ هذه المعادلة أبعادها، ولكن ليس على نحو خذ ولا تعطِ، لأنك لست أكرم من ربّك. في هذه الحالة تفقد المعادلة كل ما فيها من معان إنسانية جديرة بأن يعمل على هديها، وفي مقدمها، كما أشرت، مقولة أعطِ تعطَ.
في السياق المتصل، نقرأ للأديب البريطاني المعاصر ألكسندر ديفيد (1929 – 1995) قوله: فلنغتبط بممارسة الخير ولا نقم وزنا إلا لمن يمكن أن يسهم في سمونا. حينئذ نجد السلام والراحة في نفوسنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن