ثقافة وفن

نساء روسيات يحترفن عمل الرجال … عمليات البحث في الغابات ونزع المتفجرات أعمال مارسنها

| مها محفوض

أحيت معظم دول العالم الأسبوع الفائت يوم المرأة العالمي الذي نجد له في روسيا طابعاً مميزاً ولوناً خاصاً فهو العيد الأكثر شعبية فيها، يعود تاريخ الاحتفاء به أول مرة إلى العام 1913 في روسيا القيصرية واعتبر عيداً وطنياً منذ العام 1918.
وقد تمثلت خصوصيته هذا العام في الكلمة التي وجهها الرئيس بوتين للمرأة الروسية قائلاً فيها: « عزيزتي المرأة من كل قلبي أهنئك باليوم العالمي للمرأة فروسيا تحتفل بهذه المناسبة بحب خاص ربما أكثر من أي دولة أخرى للمرأة التي أعطتنا الحياة وأدفأت قلوبنا بالحب والدعم والعناية، إنها المرأة بكرامتها ورحمتها التي أعطت روسيا روحها الحقيقية».
وقد تم بهذه المناسبة عرض أفلام عن أعظم النساء الروسيات وعروض لمجندات بالبزة العسكرية في مركز تدريب قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية وإظهار مهارتهن في التدريب البدني والتقني، أما اللافت أن مؤسسة RBTH الروسية قدمت هذا العام لمحة عن خمس نساء وصفتهن بالأسطورة ممن تم تجنيدهن سابقاً في الحصول على معلومات لمصلحة الاتحاد السوفييتيي حيث قمن بتأدية الدور بجرأة وشجاعة لا يدانيها الرجال.
من هؤلاء النسوة: ناديجدا بليفتسكايا، الشابة التي بدأت مسيرة حياتها كراهبة ثم أصبحت مغنية مشهورة، كانت صديقة المؤلف الموسيقي سيرغي راخانينوف وقد وصفها القيصر نيكولا الثاني بـ«عندليب كورش»، هاجرت بعد ثورة أكتوبر 1917 ثم تزوجت نيكولاي سكوبلين الجنرال في الجيوش البيضاء حينذاك وفي العام 1931 تم تجنيد الزوجين من المخابرات السوفييتية إلى أوروبا حيث قدما خلال ست سنوات معلومات وافية عن أوساط المهاجرين إلى أوروبا غير أن العملية التي فشلوا بها كانت اختطاف الجنرال ميلر (رئيس الاتحاد العام للمحاربين الروس في الخارج) في باريس عام 1937 حيث واعد الزوجان ميلر لتعريفه بدبلوماسيين ألمان إلا أن ميلر كان حذراً من اللقاء وكتب رسالة جعلت الأمور تلتبس على الزوجين وفشلت العملية فهرب سكوبلين إلى إسبانيا على حين الزوجة ألقي القبض عليها وماتت في سجن رين بفرنسا عام 1940.
– زويا فوسكريسينكايا: المرأة الجميلة القوية بدأت عملها عام 1929 في وزارة الخارجية وعمرها اثنان وعشرون عاماً ليتم اقتراحها بالذهاب إلى جنيف لتكون صديقة جنرال ألماني هناك لكنها وكما تقول في مذكراتها: «أجبت بأنني سأذهب وسأصبح عشيقته لأن ذلك ضروري لبلدي لكنني سأنتحر فيما بعد «ثم تضيف: أعفيت من المهمة وبعدها لم توكل إلي مهمة مشابهة». أرسلت بعدها لتعمل في لتوانيا وألمانيا وفي النمسا وفي العام 1941 وبحجة أنها موظفة في رابطة العلاقات الثقافية السوفييتية مع الخارج (VOKS) حضرت زويا حفل استقبال في السفارة الألمانية حيث دعاها السفير الألماني إلى رقصة فالس وخلال الرقص لمحت في القاعة المجاورة آثاراً مستطيلة الشكل على الجدران كانت آثار لوحات تم نزعها تمهيداً لإخلاء السفارة الأمر الذي لم يرد الألمان أن يعلموا به أحداً.
تقاعدت زويا في العام 1955 وانصرفت إلى تأليف كتب للأطفال ولم يعلم أحد شيئاً عن نشاطها حتى العام 1990 حين كشف عنها رئيس KGB فلاديمير كريوتشكوف في إحدى مقابلاته.
– مارغاريتا كونيوكوفا: جاءت مع زوجها النحات الشهير سيرغي كونيونكوف إلى نيويورك عام 1923 ليقيم معرض فن سوفييتي هناك، لكن إقامة الزوجين امتدت إلى اثنين وعشرين عاماً حيث إنه بينما النحات يبدع في فنه كانت الزوجة من خلال صالة العرض التي تديرها تقيم علاقات مع أهم رجال السياسة الأميركيين وزوجاتهم ليتم استقبالها فيما بعد في البيت الأبيض من قبل السيدة الأولى أليانور روزفيلد والهدف كان التعرف على العلماء الذين يعملون في مشروع السلاح النووي فاستطاعت مارغاريتا الوصول إلى « أبو القنبلة النووية» روبر اوبنهمير كما تعرفت على ألبير أنشتاين عام 1935 ونجحت في تجنيد عدد من علماء الفيزياء النووية الأميركيين أيضاً وبناء على طلب مارغاريتا التقى أنشتاين السفير السوفييتي في نيويورك يومذاك وفي العام 1945 عادت إلى الاتحاد السوفييتي لتعيش في موسكو إلى أن توفيت عام 1980.
– إلينيا موديرجينيسكايا: في نهاية عام 1940 وفي محطة قطار فرسوفيا المزدحمة تتجه أنظار الركاب إلى امرأة تنزل من القطار وترتمي في أحضان رجل يحمل باقة من الزهور إيفان فاسيلييف، مسؤول السفارة الروسية واسمه الحقيقي بيوتر غوديموفيتش كان ذاك الرجل الذي جاء يبحث عن زوجته ماريا والتي حقيقة هي المرة الأولى التي يراها فيها وهي إيلينا وقد أرسل الثنائي إلى هناك للتعرف على المشاريع الألمانية المضادة للاتحاد السوفييتي لكن المخابرات الألمانية غيستابو عززت الشبهات حول العميلين وتم توقيفهما في 22 حزيران 1941 يوم إعلان هتلر هجومه على الاتحاد السوفييتي غير أن استجوابهما لم يفض إلى نتائج وقد تمت مبادلتهما مع دبلوماسيين ألمان حيث عادا إلى الاتحاد السوفييتي وتزوجا ليصبحا ثنائياً حقيقياً هذه المرة.
– آنا كاماييفا فيلونينكو: كانت واحدة من مجموعة المهام الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في خريف عام 1941 وعمرها 23 عاماً دخلت في إحدى الخلايا المقاومة لتعطيل وتخريب أي هدف للنازية في موسكو وقد كلفت يومها بتدبير عملية تفجير ضد هتلر ثم أرسلت آنا مع المقاومين لتنظيم عمليات تفجير خلف المجموعات الألمانية، وفي العام 1944 أوفدت إلى المكسيك في مهمة تحرير قاتل تروتسكي من السجن لكن العملية ألغيت في اللحظات الأخيرة. بعد الحرب تزوجت آنا من رجل الاستخبارات ميخائيل ميلونينكو وقضى الزوجان 12 عاماً كعملاء في الخارج قبل أن يلتقيا في البرازيل عام 1955.
ومن النساء اللواتي سلط الضوء عليهن في هذه المناسبة وتحت عنوان «نساء يحترفن عمل الرجال»: غالينا سليساريفا التي تعمل في نزع الألغام وهي المرأة الوحيدة في روسيا تمارس مهنة مزيلة ألغام التابعة لوزارة الطوارئ وهي من منطقة غالوكا جنوب غرب موسكو تقول غالينا:
لست أنا من اختار المهنة بل هي التي اختارتني منذ بداية شبابي حيث كنت شغوفاً بعمليات البحث في الغابات وكنت أرى فرقاً خاصة تصطدم بوجود ألغام ومتفجرات تعود إلى الحرب العالمية الثانية فلم يكن أمامي سوى التدريب على نزع هذه الألغام لأتابع عملي المفضل وقد واجهت في البداية ردة فعل قوية من الرجال الذين يقومون بهذا العمل على أنه عمل ذكوري فقط وكيف يمكن لامرأة أن تنزع ألغاماً غير أنهم وبعد أن عملوا بصحبتي تغيرت آراؤهم جذرياً وقالوا لي: لسنا خائفين معك لأنه حقيقة غريزة البقاء عند النساء أقوى وهذا أمر مهم جداً لمزيل الألغام».
ساهمت غالينا بحماية الكثير من العتاد والذخائر ويتم استدعاؤها في حالات غالباً خطيرة غير متوقعة وهي تقود شاحنة عسكرية GAZ66.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن