ثقافة وفن

صورة المعلم في الدراما … ساذج وهزلي.. ونادراً ما يكون نموذجاً فريداً

| وائل العدس

يحتفل القطاع التعليمي في سورية خلال أيام شهر آذار من كل عام بيوم المعلم، الذي من المفترض أن يكون كياناً شامخاً يشكل وجدان الأجيال المتعاقبة بالعلم والمعرفة والقدوة الحسنة.
وبغض النظر إن كنا نحتاج إلى يوم نتذكر فيه المعلم أم إن المعلم أكبر من أن يكون له يوم في السنة، ومهما اختلفت الآراء حول صورته، فإن العالم بأسره يقر ويحتفل به منذ العام 1994 حيث أقرت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم يوماً له.
ولكن كيف كانت صورته بالدراما والمسرح؟ كيف تناول الكتّاب شخصية المعلم؟ وهل كانت واقعية أم كانت أقرب للسخرية؟

حركات هزلية
بأداء مبالغ فيه من الممثلين، وسلسلة من الحركات الهزلية قدّم كتّاب الدراما شخصية المدرس، وأصبحت نمطية الإبداع عند الاقتراب من تلك الشخصية درامياً تنحصر في كل مايثير الضحك، حتى الأعمال التي حاولت تقديمه من منظور أنه صاحب رسالة سقطت في براثن طرحها في إطار أنه مغيب عن الواقع، وجعلت صدمته من الانحدار العلمي والأخلاقي للمجتمع وسيلة للضحك.
وقضت الدراما في معظم أعمالها على الصورة المثالية للمدرس، فقدمت هذه الشخصية، بطريقة نمطية أحياناً، وساذجة في أغلب الأحيان، وانحصر هذا الدور درامياً في كل ما يثير السخرية.
وشهدت الشاشة تجسيد المعلم في صورة مشوهة وأقرب إلى الاستهزاء، وظهر بشكل هزلي كأنه «مهرج» يتحدث بطريقة تثير الضحك والسخرية، وكان مربي الأجيال على الشاشة الفضية مادة للسخرية من جانب الطلبة، ليجعل مربي الأجيال عنصر الضحك الأول والأخير، وكأن صناع الدراما تناسوا مقولة أمير الشعراء أحمد شوقي «قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا».
وبالرغم من أن تلك الشخصية مملوءة بالتفاصيل الدرامية التي تحتاج إلى أكثر من عمل فني لرسمها سواء بتناول حياتها الوظيفية أو الخاصة إلا أن المؤلفين والمخرجين اختصروا كل ذلك ليقدموا شكلاً متواضعاً لتلك الوظيفة المهمة الثرية بالكثير من المعاني والأبعاد الإنسانية.
«أيام الدراسة» مثلاً سلط الضوء على حياة الطلاب من وجهة نظر ساخرة من دون التطرق إلى حياة المعلمين وما تعكسه أجواء المدرسة على حياتهم حتى إنه لم يحاول إيجاد طريقة لطرح معاناتهم، وإن كان العمل قد حظي بمتابعة غير مسبوقة في أوساط المراهقين.
«أشواك ناعمة» تحدث عن شرائح كبيرة من مجتمعنا من خلال طالبات مدرسة في المرحلة الثانوية، نتابع معاناتهن في المدرسة، ونتعرف على مشاكلهن، كما نكتشف الحالة الاجتماعية اللواتي يعشن بداخلها، لكن اللافت في العمل وبعيداً عن «الموجهة» المنفعلة دوماً يظهر دور المشرفة الاجتماعية الذي قدمته سلمى المصري، لتدخل إلى قلب البيوت، وتعرفنا على طبيعة الأوضاع داخل العائلة، وخصوصية المعاناة، ويصبح بإمكانها معالجة الكثير من المشاكل، فقدمت لنا نموذجاً فريداً لدور المعلم في تربية وتنشئة جيل سليم على أسس علمية وقواعد أخلاقية مهنية.

مأخذ درامي
ما يؤخذ على الدراما أنها لم تسلط الضوء على النواحي السيكولوجية والنفسية التي تحيط بالمعلم وحياته؛ لأنه بالنهاية بشر، يشعر ويحب ويكره ويغضب ويفرح ويحزن.
هذه الشخصية لم تطرح حلولاً وعلاجاً لما يحيط بالمعلم من معاناة ومشاكل وآلام نفسية، وهموم حياتية؛ حتى تظهر شخصية المعلم بالصورة التي نرغب أن يكون عليها ويفهم المجتمع دوره في صناعة سواعد الأجيال وبناة الأوطان.

في مصر
في الدراما المصرية بدأت تتدهور المكانة الاجتماعية للمعلم وتنحدر نظرة المجتمع له، تمثل ذلك جلياً وانحصرت صورته بين المعلم الجشع، الذي يصارع من أجل الدروس الخصوصية والمعلم المهان المغلوب على أمره أمام تقلبات الزمن مع جرعة كبيرة من السخرية والاستهزاء من دور المعلم في المجتمع.
وإذا تناولنا بعض اﻷمثلة التي قدمتها مصر عن حال المدرس والمدرسة والتعليم بصفة عامة فسنلاحظ أنها قدمتها في أكثر من شكل كان أغلبها إما تشويهاً لشكل المدرس أو السخرية منه ووضعه في إطار واحد فقط، حيث المدرس المطحون الغلبان.
مسلسل «جبل الحلال» سبب موجة من الغضب في أوساط المعلمين بسبب مشهد لمعلم بإحدى مدارس الثانوية العامة للبنات، وهو يتحرش بإحدى تلميذاته في الفصل، واعتبر المعلمون أن المشهد فيه إساءة بالغة لهم ويشوه صورة المعلم اجتماعياً، ويسيء إلى جميع المدرسين، مطالبين وزير التربية والتعليم بالتدخل لوقف ما اعتبروه إهانات من صناع الدراما في حق المعلمين.
بالانتقال إلى المسرح نجد أن «مدرسة المشاغبين» عبرت عن فوضى كبيرة وعدم انضباط وتوحش غريب من الطلبة تجاه المدرسين، وكأن أبطالها يؤكدون ضرورة وجود قانون صارم يضبط هؤلاء الطلبة.
بشكل عام تناولت الدراما العربية على مر العصور شخصية المعلم بصور متفاوتة ومتباينة أحياناً، وسلطت الضوء على دوره في العملية التعليمية خاصة وأثره في الحياة عامة.
ويتضمن مسلسل «صاحب السعادة» عدداً من المشاهد التي ترصد فقدان المعلم «حسن» لهيبته أمام الطلاب الصغار، الذين يرفضون حضور الامتحان الذي قرر أن يعقده لهم معلمهم باعتبار أنهم ليسوا في «المود»، ولا مزاج لهم لدخول امتحانات، فضلاً عن تلجلج المعلم طوال مشاهد المسلسل أمام التلاميذ الصغار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن