قضايا وآراء

روسيا لا تطعن حلفاءها من الظهر…

| د. بسام أبو عبدالله 

عبارة قالها الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارته التاريخية إلى طهران لمرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، وهي: (نحن لا نطعن شركاءنا من الخلف، ولا نقدم على أي إجراء خلف الكواليس ضد أصدقائنا، وإذا كانت لدينا خلافات يمكن أن نتوصل إلى تفاهم من خلال الحوار)، وأنا متأكد أن فلاديمير بوتين أعاد تأكيد مثيلاتها خلال لقاءاته مع الرئيس بشار الأسد منذ عام 2007، ذلك أن فهم الدور الروسي في المنطقة، والعالم يجب ألا ينطلق من منهج تحليل ضيق الأفق، أو غريزي كما يفعل بعض المحللين الثورجيين الذين درسوا السياسة على يدي (نواطير النفط والغاز) ومعلمهم (عادل الجبير) فتعلموا أن يتعاطوا في الأمور الإستراتيجية على طريقة (باب الحارة)، وردود الأفعال الغريزية…
قراءة الموقف الأخير للرئيس بوتين بسحب جزء من القوات الروسية يحتاج إلى التأني، والفهم العميق، وليس العاطفي على مبدأ (يا أبيض- يا أسود) ولذلك دعونا نحدد أولاً- لماذا أرسلت روسيا قدرات جوية كبيرة في 30/9/2015 وهنا سأذكر بخطاب الرئيس بوتين في قمة دوشانبيه في طاجكستان أمام (منظمة الأمن الجماعي) في 15/9/2015- أي قبل خمسة عشر يوماً من بدء الانخراط الروسي المباشر، ماذا قال بوتين:
1- الوضع في سورية جدي للغاية، وما يسمى (داعش) يسيطر على مساحات مهمة في أراضي سورية والعراق.
2- الإرهابيون يقولون علناً إنهم يريدون أخذ مكة، والمدينة، والقدس وضمن خططهم نشر نشاطاتهم في أوروبا، وروسيا، وسط وجنوب شرق آسيا.
3- هذا الأمر يقلقنا، وخاصة أن هناك تحضيراً أيديولوجياً، وإعداداً عسكرياً للمقاتلين من كل دول العالم بمن فيهم للأسف مقاتلون من دول أوروبية، وروسيا الاتحادية والعديد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وبالطبع يقلقنا احتمالات عودتهم إلى أراضينا.
4- لا بد أن تؤجل، وتوضع جانباً الطموحات الجيوسياسية، والامتناع عن استخدام المعايير المزدوجة، واستخدام الإرهابيين للوصول لأهداف تنافسية خاصة، بما في ذلك تغيير الحكومات، والأنظمة غير المفيد لأي كان بالمطلق.
من جانب آخر قال بوتين بوضوح (نحن ندعم الحكومة السورية في مواجهة عدوان إرهابي)، قدمنا وسوف نقدم لها المساعدة العسكرية- التقنية الضرورية وندعو الدول الأخرى للانضمام إلينا، ومن الواضح أنه من دون المشاركة الفعّالة للسلطات السورية، ومن دون مشاركة الجيش السوري على الأرض لا إمكانية لوقف الأعمال الهمجية التي ينفذها داعش، والإرهابيون بشكل عام…
تلك هي رؤية بوتين قبل الوصول إلى سورية بطلب من الحكومة الشرعية السورية والرئيس الشرعي بشار الأسد، وهو ما يتفق مع قواعد القانون الدولي، كما أن الأعمال العسكرية على الأرض ضد المجموعات الإرهابية تتم من خلال غرف عمليات مشتركة تضم (الجيش السوري- والأصدقاء الإيرانيين- والروس- وحزب اللـه)، وهو أمر أعطى نتائج باهرة على الأرض، وقطع الأصابع التركية إلى حد كبير في الشمال السوري، وفي ريف اللاذقية بالذات وحقق تقدماً كبيراً على الأرض لمصلحة الدولة السورية.
إن قراءة ردود الأفعال في دمشق توحي بأن ليس في الأمر مفاجأة وأن ما تم، جرى تنسيقه بشكل كامل مع القيادة السورية بهدف الدفع بالخيار السياسي قدماً للأمام، وتعزيز، وحماية الدولة السورية، ومؤسساتها، وجيشها، واستكمال الحرب على الإرهاب…
وإذا كان البعض قد فسر ما حدث على أنه ابتعاد روسي عن القيادة السورية وبالذات (العقدة النفسية) لدى الغرب- والأعراب أي الرئيس بشار الأسد فهذا وهمٌ وقعوا فيه لأن الروس كرروا مراراً- وتكراراً أن الرئيس هو خيار الشعب السوري، ولذلك فإن الكرملين أوضح مباشرة بعد انتشار مثل هذه التحليلات أن القرار ليس ضغطاً على الرئيس الأسد أبداً، إن ما أجمع عليه المحللون العاقلون تجاه الخطوة الروسية يبدو الأقرب لمنطق الأشياء، ومجريات الأحداث، وسأشير هنا لرأي المحللين الأمريكان كما نشرته (صحيفة الأخبار اللبنانية):
أ- حقق بوتين أهدافه الأساسية في تمكين الدولة السورية من استرجاع قسم كبير من المواقع الإستراتيجية لها، والأراضي التي كانت هناك حاجة ماسة لها.
ب- تعزيز فرص الحل السياسي، وموقف الدولة السورية في المفاوضات.
ج- الاحتفاظ بإمكانية تنفيذ هجمات عسكرية في سورية متى يشأ من خلال الإبقاء على القاعدتين العسكريتين، مع قوة فاعلة، وسريعة…
د- لا حاجة لقوة كبيرة، وضخمة، ما دامت المهام الباقية يمكن تنفيذها بالتعاون مع الجيش السوري بسرعة، وبفعالية.
هـ- تجنيب الاقتصاد الروسي المزيد من الإنفاق الكبير بعد أن تم تحقيق الأهداف الأساسية، بفترة زمنية قصيرة.
و- استثمار توقيت القرار عشية مفاوضات جنيف من أجل تحقيق مكاسب كثيرة بأثمان أقل، والضغط على الخصوم.
– المحللون الأمريكان يجمعون على أن ما هو مؤكد أن بوتين لن يتخلى عن سورية، ولن ينسحب من المنطقة، وأن دعم موسكو لدمشق هو قضية إستراتيجية، وليست مؤقتة أو آنية.
– يبدو واضحاً أكثر أن ما يجري يأتي أيضاً ضمن إطار تفاهم روسي- أمريكي لإنجاز حل في سورية، إذ لا يمكن إغفال ما قاله جون كيري (من أن الحرب في سورية يجب أن تتوقف). ولا ما يجري في اليمن من اتصالات أولية بين نظام آل سعود، والحوثيين وبدء التوصل لتفاهمات قد تساعد في إنجاز حل سياسي…
باختصار: إن قول البعض ماذا لو اتفق بوتين مع أوباما على تقاسم النفوذ، وتكريس خطوط التماس العسكري الحالية إلى خطوط تماس سياسية؟ وهو ما سيعني خسائر على الدول الصغيرة، ومكاسب للقوى الكبرى، أي خسارة لسورية بالمجمل، يمكن الإشارة هنا بوضوح إلى أن محور المقاومة ينظر إلى بوتين على أنه حليف، ولم يخدع أياً من حلفائه منذ توليه السلطة، كما أن روسيا تحتاج إلى سورية إستراتيجياً، وبالتالي فإن المصلحة الروسية هي بسورية قوية، مستقلة، ذات سيادة وليس بأي شكل آخر، كما أنه لابد أن نذكر أن المحور الأمريكي- الغربي- الأعرابي يطلق منذ خمس سنوات تصريحات حول رحيل (الرئيس الأسد)، وإسقاط الدولة، وساعات الصفر، والأحداث أظهرت بوضوح أن الرئيس الأسد باقٍ بإرادة شعبه، وأن الدولة صامدة، ومستمرة بالتعاون مع حلفائها في محاربة الإرهاب مقابل فتح بوابات للحل السياسي الذي لم تتخلَ دمشق عنه منذ البداية، ولا موسكو، ولا طهران- أما أولئك الثورجيون الذين ما زالوا يعيشون عصر الرومانسيات الفارغة، فالنصيحة لهم أن يقرؤوا المعادلات بشكل صحيح، ويستفيدوا من الأجواء الجديدة سواءٌ بالانضمام للمصالحات، أو العمل السياسي، أما خيارات الوهم السعودي- التركي فقد سقطت، ولا خيار ثالث بينهما.
روسيا لا تطعن حلفاءها في الظهر- هذه خلاصة واضحة لدى دمشق وحلفائها، والأحداث تثبت ذلك، ومن حقنا بالطبع مناقشة كل الخيارات، والاحتمالات، لأن العلاقات الدولية بالتأكيد تقوم على المصالح، واعتقادي أن المصالح مشتركة، وعميقة وإستراتيجية بين موسكو ودمشق، وضمن هذا الإطار يجب قراءة خطوة بوتين الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن