قضايا وآراء

مفاوضات جنيف

| صياح عزام 

ارتفعت منذ فترة «أصوات» مجموعة من المعارضة السورية الخارجية كما تُسمي نفسها، وخاصة منها الهيئة المنبثقة عن مؤتمر الرياض بزعم أن الولايات المتحدة الأميركية قد خدعتهم، وازداد هذا الصراخ قبل انعقاد مفاوضات جنيف بفترة وجيزة.
وعندما يُدقق المراقب السياسي في الصوت الجماعي لهذه المجموعة، يكتشف بسهولة أن من يقصده أغلبهم هو الرئيس الأميركي الحالي «أوباما» تحديداً.
فأوباما من وجهة نظر هؤلاء، هو بداية «الخداع» الذي وقعوا ضحيته حسب زعمهم- وهو سيكون نفسه نهاية هذا الخداع، إذ إنهم على قناعة راسخة بأنه ما إن تُسفر الانتخابات الأميركية القادمة عن المجيء برئيس جمهوري شبيه بآل بوش «الشجعان» الذين لا يترددون في غزو الدول واحتلالها وجلب المعارضين معهم على دباباتهم إلى سدة السلطة، حتى يزول الخداع ويعود الحليف عند حسن ظن حليفه!
على ما يبدو أن ذهنية أفراد هذه الجوقة غابت عنها العلاقة بين أداء أوباما وهجومية آل بوش، بمعنى آخر، هم لم يدركوا أن إخفاقات آل بوش الهجومية في أماكن عديدة لا يمكن لأي إدارة أميركية أن تتجاهلها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تغيب عن أذهانهم أن الأحادية القطبية التي كانت الإطار الذي احتضن «الهجومية» البوشية وساعدها وغذّاها، قد تراجعت مع الصعود الروسي المتنامي، وأيضاً الصعود الصيني الاقتصادي والسياسي..
إذاً، هذه المجموعة علّقت وتعلق حتى الآن فشلها السياسي والعسكري على شماعة أوباما «المخادع» حسب تعبير الناطقين باسمها، فما إن يرحل أوباما حتى يزول الخداع وتعود أميركا- كما يتصورون- إلى موقعها، قلعة للحريات والديمقراطية، ومنهلاً للدعم الرامي إلى الخلاص، والوصول إلى السلطة في سورية وإحلال الديمقراطية والعدالة في أرجائها، بعد أن عملوا على تدميرها والعبث بنسيجها المجتمعي طوال خمس سنوات كاملة، هكذا يمضي منطق «الثوار الجدد».
لم يخطر ببال هؤلاء، أن تكون «الأوباميّة» ومن قبلها البوشيّة تحصيل حاصل، أو نتيجة لتطورات دولية واضحة، وهي ظاهرة معروفة في التاريخ الحديث، حيث تبدّل موقع قيادة المنظومة العالمية المُعاصرة من دولة إلى أخرى: إسبانيا، البرتغال، هولندا، إنكلترا، فرنسا، وصولاً إلى العصر الراهن. ولا يعني هذا أن هيمنة كل من هذه الدول كانت وحيدة ونزيهة، بقدر ما يعني أن النزوع إلى الهيمنة كان يُبْرزُ مشروعاً معيّناً مرتبطاً ببلد مُعيّن، كما كان التدهور عبارة عن سيرورة طويلة من الهبوط المُتزامن مع صعود مركز قائد جديد.
من الواضح في هذه المرحلة، أن أحاديّة القطب التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي قد قطعت شوطاً كبيراً في طريقها إلى الزوال، وأن ثمّة من أخذوا يفرضون أنفسهم كأطراف مشاركة وفاعلة في صوغ وتشكيل النظام الدولي الجديد، هذا مع العلم بأن تفوق الولايات المتحدة، الاقتصادي، يعود إلى أسلوب التعامل مع استقلال الأسواق، والانفتاح بتدخّل الدولة والسياسات الحمائية وما شابه ذلك، كما تشير الأرقام والإحصائيات، إلى أن التفوق الأميركي في سوق السلاح الدولي يعود بشكل دقيق إلى خروج هذا القطاع الواسع عن قيود السوق وتمتّعه بدعم الدولة بوجود حلفاء يمتصون مُشتريات وصفقات السلاح التي تشكّل نحو 60% من السوق العالمية.
لا يُراد لكل هذا أن يوحي بأيّ عجزٍ أمريكي، أو بأن الهيمنة الأمريكية قد انهارت أو على الأقلّ أنها في طريقها إلى الانهيار.
الخلاصة، ما نريد تأكيده هو أن من يزرع الريح يحصد العاصفة، وأن هذه الجوقة من المعارضة لا تتمتع بأي رصيد شعبي في سورية- كما تدّعي، وأنها لا تتعدّى مجموعة من العَجَزَة والمرتبطين بأجندة خارجية، ولا سياسة محدّدة لها سوى بذر الأمل الكاذب المُقترن بأوهام «التحالف» مع أمريكا في قضايا عديدة لعل أبرزها «الديمقراطية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن