قضايا وآراء

جنيف.. طبيعة العملية السياسية

| مازن بلال 

رغم كل التصريحات فإن استمرار المفاوضات يشكل نقطة أساسية في قراءة الحدث السوري، فالمبعوث الدولي إلى سورية ليس متفائلا بل مصر على استمرار التفاوض، وعلى الضغط الدولي، ففي جنيف اليوم صورة دبلوماسية دولية نشطة؛ رغم تصلب البعض أو حتى عدم الوصول إلى تفاهمات حول نقاط يمكن أن تجمع الوفود على طاولة واحدة، وما يحدث هو كسر احتكار التحكم بسير التفاوض التي بقي الوفد القادم من الرياض يمسك بها منذ مؤتمر فيينا حتى اليوم.
عمليا لم يكن مفاجئاً ظهور وفد جديد قادم من سورية؛ يمثل طيفاً واسعاً لقوى سياسية واجتماعية؛ ودخول هذا الطرف لن يؤثر كثيراً في عملية التفاوض، لكنه يحمل معه أمرين أساسيين:
الأول هو التلويح باتجاه وفد الرياض حصراً أن هناك بدائل سياسية متعددة يمكن التعامل معها، فإدخال تمثيل جديد سيؤثر في تكوين المعارضة مستقبلا أكثر من كونه تسهيلاً لعملية التفاوض، وموسكو تدرك أن توسيع دائرة التمثيل سيؤدي على المستوى القريب لظهور تحالفات مختلفة، وهي قدمت الوفد الجديد من القاعدة العسكرية في حميميم في التوقيت نفسه الذي أعلنت فيه عن البدء بسحب قواتها؛ هذا التزامن تستخدمه موسكو للتأكيد أن العملية السياسية تسير رغم صعوبة إيجاد توافقات في الوقت الراهن.
الثاني يظهر في المشهد العام، فأي إضافة لوفود المعارضة هو انعكاس لتوافقات بين موسكو والدول الإقليمية حصراً. هذا الأمر أغضب الأكراد لكنه أيضاً يطرح نوعية التسويات، حيث من الصعب فرض المكون الكردي بشكل مستقل من دون تفاهمات إقليمية جديدة مع تركيا بالدرجة الأولى. والنتيجة الدبلوماسية التي أدت لظهور وفد جديد ستحمل معها مستقبلا إمكانية التفاهم بشأن الأكراد رغم ردود فعلهم العنيفة نتيجة استبعادهم من الجولة الحالية.
الخريطة السياسية للعملية السياسية تظهر بشكل سريع، لأن جولات التفاوض هي الأساس وليس الوصول إلى نتائج سريعة، والواضح أن السيناريو الحالي يسير نحو تحديد الأدوار السياسية للوفود وذلك وفق قدرتها على المساعدة في تثبيت وقف الأعمال العدائية الذي أتاح انطلاق التفاوض الحالي، وفي المقابل فإن تثبيت الواقع السياسي على حساب العسكري هو الأساس على ما يبدو للرؤية الروسية ولحركتها السياسية.
أجواء جنيف هي أبعد من التصريحات الإعلامية، وهي في الوقت نفسه تقدم علاقات على مستوى المعارضة السورية مختلفة كلياً عن السابق، فعدم القبول بأطراف محددة تم كسره وإدخال لائحة طويلة من «التشكيلات» المهمشة إن صح التعبير، وتجاوز الكثير من الحلقات السياسية المغلقة التي فرضتها الحالة الدولية وأدت لتمثيل دولي على طاولة المفاوضات بدلاً من أن يكون التمثيل لشرائح القوى السياسية والاجتماعية السورية.
الصراع بشأن الحل في جنيف لم يعد محصوراً على إمكانية النفاذ نحو دوائر صنع القرار في الرياض أو أنقرة، فهناك مشاركة سياسية غير مسبوقة فرضتها موسكو، وهي مشاركة مرنة يمكن أن تؤدي لتغيير العلاقات على مستوى المعارضة السورية، إضافة لقدرتها على بلورة نقطة استقطاب في الداخل السوري، فالتحرك الروسي لا يريد تقديم نموذج للمعارضة بل يسعى لإزاحة الستار عن سيناريو يختلف بتفاصيله عن كل ما سبق، وهو سيناريو ربما يفاجئ البعض لأنه في الأساس تغير للعلاقات على مستوى المعارضة ذاتها.

عضو وفد معارضة الداخل
إلى مباحثات جنيف

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن