ثقافة وفن

لا تغادر وليدها

| إسماعيل مروة 

تتدلى ذات صباح من عليائها
تقترب منه
تلفّه بجسدها المرهف
تعدّ له قهوة الصباح
وما بين لحظة وأخرى تغمره
حنانها فيّاض
جودها لا مثيل له
تضمه
تحنو عليه
تسقيه ماء الحياة
وعلى زقزقات الصباح تقول له:
تعال إليّ يا وليدي
خذ غذائي
ادخل إلى جوانيات روحي
لا لون لما أعطيك يا ولدي
لا رائحة له يا ابن قلبي
حلّق حيث شئت
ولا تنس يومي يا ولدي
لا لتكرمني.. بل لأجلك
وجّه وجهك إليّ لأعطيك نوراً
لأزرعك ألقاً
لأرشك عطراً
لأمنحك أمومتي
تتدلى ذات لحظة
تكسوها خضرة
يلبسها اللون الزهري
معها يصبح وردياً جورياً
ويضمها وليدها إلى روحه
بك يا أم أصبحت
قهوتك غذاء روحي
نظرتك دعاء توفيق
لا تغيبي يا أم
أما جعلت لحياتك لوناً؟
لِمَ تأخذين كل الألوان؟
من غرتك كان قوس قزح
من جبينك تشرق شمس الصباح
من عطائك تصبح الدنيا غذاء
لك يا أم اليوم
لك كل الأيام
أنا المنتظر عودتك
أترعتني حباً ذات صباح
سأمضي عمري منتظراً صباحاً آخر
الألق في عينيك من مختلف إلى مختلف
تسكبين في روحي روحك..
وأنا أنتظر صباح الياسمين
صباح الزهر
صباح قهوتك والهيل
أوجه إليك روحي لعلها تحيا
تطابق يوماك يا أم
تطابقت أيامك
يوم اللقاء.. ويوم الرحيل.. ويوم أم..
تمددي يا طهر أم
تمسكي بأهداب ما تبقى
لمسة لشعرات شعثة
سكب لروح خوفاً من انطفاء
وهبت ما عجز الكون عنه
ضياء عين أنتِ
نبض روح كنت
أيا أمي التي لم تبرح ذاتي
أتحرك بك إليك
لا تحملني قدماي
وبقامتك تستقبلين عبثي
أتعلق به
أتدلى على لطف قامتك
حبك يرفعني
أجاوز الجبال
أعلو على النباح
يبتعد صوت الديكة
تصلني الزقزقات إلى حيث رفعتني
أجاوز كل شيء
أخرج من الزمان
يعجز عني المكان
لأنك الأم.. لأنك العطاء
خبزك لا أحن إليه فهو معي
طعامك لا أشتاقه فهو لم يغادرني
أصابعك أتعشقها وهي تدللني
غذاؤك..
آه منك كم أنت كريمة..
لن أشيح النظر ولا أستطيع
لن أحب سوى ما تفعلين
لن أكره ما دمت أنت الحب الذي انزرع
على قمة عالية أرقب وترقبين
الأفق امتداد
الغد ينتظر الحنين
وأقف وحدي أرقب
وأنت تخرجين من خضرتك
من بحرك، من جبلك
تتدلين من سماء
وشتان بين أن تكوني أو ألا تكوني
هل أرى في غيابك ما أرى معك؟
هل أحيا معك كما في غيابك؟
لك كل الأيام
تطابقت أيامك
لأنك أنت
لأنك الزهر وربيعه وآذاره..
أنتظرك على حافة شوق وأمومة
قد تحطين على نافذتي
قد أراك هائمة بروحي
قد أدخل معبدك
هناك أصلي على قدميك ولا أغادر
أتوق لأصابع قدميك وهي تدور بحثاً عني
ألتصق بقدميك
تحوط يداك رأسي المتعب
وأسمعك
الحياة تبدأ غداً يا ولدي
امنحي الحب لعلها تبدأ
دون حب لا حياة
ودون حبك لا حب
كل يوم وأنت ال وله
كل مكان وأنت أرجوحة العشق
أرجوحة الأبد
وأغنية لا يوقفها الكره..
تتدلى..
تعطي ما تبقى
لكنها أبداً لا تغادر وليدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن