ثقافة وفن

المنافسة قائمة بين الفنانات في تقديم دور الأمومة والأمّ .. الأمّ في المسرح السوري… الممثلات السوريات أجدن دور الأم وبرعن

| عامر فؤاد عامر

تتجسد صورة الأمّ عبر الدراما التلفزيونيّة في أكثر من صورة وتأخذ طابعها المستقر في أذهاننا من خلال شخصيّة القديرات على سبيل المثال: «منى واصف»، و«نجاح حفيظ»، و«نبيلة النابلسي»، و«ضحى الدبس»، وغيرهن. ولكن لدى البحث عن صورة الأمّ على خشبة المسرح لن نتمكن من الوصول إلى إجماع على شخصيّة محددة من فناناتنا سواء من الجيل القديم أم الحديث في عالم المسرح، ولربما يأتي ذلك لعدّة أسباب منها أن صورة المسرح ما زالت في مستواها المتواضع مقارنة بالتقدم المعروف للدراما التلفزيونيّة السوريّة وما تمّ إنجازه فيها.

عبر مجموعة من الأسئلة لأهل الفنّ والاختصاص في مجال المسرح لم تأت الأجوبة مستقرة على ممثلة واحدة جسّدت دور الأمّ واحترفته لتكون الأيقونة والرمز الدائم في الذهن ما يدعو للمنافسة بين جميع الفنانات الممثلات لدور الأمّ وتجسيد حالة الأمومة بالطريقة الأجمل والأفضل، ومن الممكن أن تكون هذه الحالة صحيّة أكثر فلا ارتباط بين اسم ممثلة وشخصيّة الأمّ أو دور الأمومة على المسرح.
بالعودة إلى أيام أبو خليل القباني رائد المسرح العربي كانت البداية في ظهور المرأة على الخشبة واشتراكها في التمثيل فقد كان للممثلتين –حسبما ذكرت المصادر- وهما «مريم سماط»، و«لبيبة ماللي» اللبنانيتين ظهور بارز وواضح في عروضه المبكرة في دمشق ومن ثم في مصر، وكانت هذه القفزة كبيرة بحيث لم يعدّ للعقل المحافظ على تزمته أن يستوعب الظاهرة فعدّها بدعة وتنامت الأمور لحرق وتحطيم مسرحه في تلك الفترة ولاسيما أنّ بعض أدوار الأم والحبيبة كانت توكل للرجال أو الصبية لأدائها ما صعد من سعير النار بتهمة الفسق ونشر الرذيلة!
على الرغم من حلمها بأن تكون الملكة والقائدة على الخشبة وقد قدّمت 30 عرضا مسرحيّاً نلمس في حضور الفنانة القديرة «منى واصف» الأمومة الكبيرة والأنوثة الحاضرة على الخشبة في معظم أدوارها فهنا لا يمكن لأحد أن ينازع في فكرة أنها تستطيع أن تأسر المتلقي في أي دورٍ تؤديه وهذا الطابع يمكن سحبه والقياس عليه في السينما والدراما التلفزيونيّة أيضاً، لكنه يبقى في إطار الطابع العام فلم يكن هناك وكما أسلفت سابقاً دوراً للأمّ بارزاً فيما أدته على المسرح على نجاحها وحضورها في شخصيّة فنيّة قد لا تتكرر في تاريخ الفنّ في سورية.
عندما نذكر المسرح لا بدّ لفرقة مسرح الشوك وأسرة فرقة تشرين السوريّة من تصدّر الواجهة في المسرح السوري عبر تاريخه ونموّه، ومن بين الشخصيّات الأبرز التي تعدّ الأكثر قرباً لصورة الأمومة والأمّ للمتلقي وهي شخصيّة المربية والجدّة والحكيمة الفنانة القديرة «سامية الجزائري» في مسرحيّة «غربة» لمؤلفها «محمد الماغوط» ومخرجها خلدون المالح، والتي بقيت صورتها قريبة جداً من وجدان المتلقي والمتفرج إن كان في سورية أو خارجها من الدول العربيّة، والجاليات العربيّة في دول أجنبية، وعلى الرغم من صغر سنّها في تلك المرحلة لتجسّد دور الجدّة أو الحاجّة إلا أنها برعت في كلّ تفصيل فيه فكانت أمّاً حقيقيّة في خوفها وحكمها على القيمة وبصيرتها التي من خلالها قدّمت التحذيرات التي رافقت تلك المرحلة الزمانيّة ومرحلتنا هذه أيضاً.
من الواضح أن دور الأمّ وعلاقته بالأنثى هو الدور الأقرب للممثلة كي تبرع فيه وهذه الملاحظة يمكن الاتفاق عليها من حيث إن الكثير من الفنانات قدّمن دور الأمّ على المسرح ونجحن فيه بقوّة ومن دون أن يكنّ متزوجات أو مربيات أو منجبات للأولاد. ويمكن الإبحار أكثر في هذه الملاحظة إلى القول إن الممثلات الصغيرات في السنّ يمكنهن أيضاً تقديم دور الأمّ ببراعة ومنحه المشاعر السليمة وبقوّة تجعل من المشاهد يقتنع، وهذا سببه الغريزة والفطرة المبنيّة عليها الأنثى قبل أن تكون ممثلة على خشبة المسرح. بالمقارنة يمكن تبيان هذه الخلّة عند الممثلة في حال منحنا الممثل الرجل دور الأمّ أو الأنثى على المسرح فإنه لن يمنحنا كمتابعين ومتلقين الأثر نفسه الذي نستمده من الممثلة الأنثى سواء كانت كبيرة في السنّ أم صغيرة.
بالعودة إلى ملاحظة أن لا اتفاق على اسم ممثلة سوريّة واحدة أتقنت دور الأمّ وأعطته الطابع الملاصق للذاكرة في المسرح السوري سنعرّج على بعض الأدوار التي كانت حاضرة وجميلة وتحمل حالة من الإتقان ومنها دور الفنانة «أمانة والي» في مسرحيّة البيت ذو الشرفات التي أخرجها الفنان «هشام كفارنة» فقد اجتهدت في دورها كثيراً وأعطت تفاصيل تدل على جمال الأمّ من منظورها كممثلة مجتهدة ومميزة جداً. في المسرحيّة تلك كان للفنانة «جيانا عيد» حضور خاصّ على الرغم من أنها ليست الأمّ في هذه المسرحيّة بل كانت العمّة وكانت الحبيبة المرتبطة بحالة من الانتظار، لكن لن نغفل جمال الإحساس الأمومي الذي صدر من «جيانا» فكانت مؤثرة جداً.
من الأمثلة التي نذكرها أيضاً، الفنانة القديرة «ثناء دبسي» في مسرحيّة «الأشجار تموت واقفة» لمؤلفها أليخاندرو كاسون ومن إخراج هشام كفارنة فقد قدّمت شيئاً مهمّاً في تفصيلات الأمّ على المسرح والطريقة المؤثرة التي جسدت فيها الدور فكانت محترفة دون مناقشة ودون المقدرة على وضع أيّة ملاحظة على دورها ذلك، ومن الممثلات التي نذكرهن أيضاً ممثلات قدّمن دور الأمّ مثل «خديجة غانم»، و«فاتن شاهين»، و«فيلدا سمّور» وأسماء كثيرة جداً بل يمكن ذكر ممثلات في المسرح الجامعي والمسرح الشبيبي ومسارح المحافظات واللواتي اجتهدن كثيراً في تقديم الأمّ كما يمكن وبصورة فيها البراعة والتقنية إلا أن هذه الجهود لا تتعدى من حيث الشهرة ومعرفتنا بها إطار الجمهور الخاصّ بتلك الأمكنة مع كلّ أسف وبالتالي التوثيق العصري يغدو ضعيفاً فلا يتعدى التوثيق أكثر من عدد قليل من المقالات الصحفية التي قد تخلو من النقد والتحليل الأكاديمي والمهني، إضافة لعدم ترويج إعلامنا للحالة المسرحية وعدم تصدرها للمشهد الثقافي كما فعلت الدراما التلفزيونية التي سرقت الأضواء لفترة كانت طويلة بالنسبة للسنوات السابقة ونتمنى ألا تستمر في مرحلة السنوات القادمة.
من المسرحيات التي قُدّمت مؤخراً والتي نمرّ سريعاً عليها سنلاحظ دور الأمّ والذي أجادته بقوّة الفنانة «سوسن أبو عفّار» في مسرحيّة «زجاج» المقتبسة عن نص للمؤلف «تينسي وليامز» والتي أخرجها «أسامة غنم» فلعبت الفنانة «سوسن» دور الأمّ التي هجرها زوجها بسبب الفقر فأصبحت المسؤولة عن ولديها في تربيتهما وتعويض غياب الأبّ ودوره في التربية وتأمين طلباتهما الماديّة في الحياة فعادت إلى الماضي بجوارح الأنثى وارتباطها بين الماضي والحاضر ودعم الحالة تلك لتكون هذه الأم هي سورية نفسها في إسقاط مسرحي خفيّ، وكذلك دور الفنانة الشابّة «روبين عيسى» في مونودراما «نديمة» من تأليف وإخراج «علي صطوف»، وأيضاً أسماء كثيرة لا يسعني ذكرها في مقالة واحدة كالفنانات «رنا جمّول»، و«وفاء موصللي»، و«ربى الحلبي»، و«جيانا عنيد»، وغيرهن من الجيل القديم والحديث.
بين القديم والحديث من هي التي قدّمت دور الأمّ بجودة وتفوق؟ وهل من إتقان لهذا الدور الذي يحمل أبعاداً معرفيّة تتناغم مع كلّ زمان بخصوصيّة وتأخذ طابعاً عاماً مشتركاً بين كلّ تلك الأزمنة وما سيأتي منها؟ أم أن هناك تقصيراً في تقديم هذا الدور؟ والمزيد من الأسئلة التي تتوارد إلى أذهاننا، وكلّها أسئلة جديرة بأن تًطرح وجديرة بأن يكون لهاالأجوبة الواضحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن