ثقافة وفن

اكتئاب الإهمال العاطفي .. عندما تتحول البيوت إلى فنادق!

| هبة الله الغلاييني

إن الحياة الزوجية حياة ديناميكية تتأثر بالظروف المحيطة بها وفي الوقت الذي تمر فيه. هناك رجال يعانون الرتابة في حياتهم الزوجية. فيعيشون معاناة كبيرة، إلى درجة أنهم يشعرون وكأنهم يعيشون في فندق لا في بيت أسري، فالزوج يرتبك في مثل هذه الحالة ولا يدرك حقيقة الأمر، ولا السبب الذي حوله من رجل محب ومهتم بزوجته إلى رجل مجرد من العاطفة، ومن دون شك فإن لهذا الشعور سلبية كبيرة تؤدي إلى مشكلات كثيرة تطال جميع أفراد العائلة. وفي المقابل ترد الزوجة على برودة زوجها العاطفية ببرودة مماثلة، وتلجأ إلى اعتماد اللامبالاة معه، فتتحول العلاقة بينهما إلى واجب بين زوجين لا أكثر، يقوم فيها كل من الطرفين بدوره، أي إن الزوج يكون مسؤولاً عن الشق المادي في إعالة الأسرة، ويقضي وقته الباقي مع أصدقائه أو في النوم، أو متابعة المباريات، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تنصرف هي إلى لعب دور الأم مع أطفالها. إن مثل هذه العلاقة السلبية، تصيبها بالاكتئاب، على اعتبار أن الجانب العاطفي لكليهما ممل، ولا يقتصر التأثير عليهما فقط بل ينسحب على الأولاد. ذلك أن برود والدهم العاطفي تجاه والدتهم ينتقل إليهم فينتهي دوره كأب متأثراً، الأمر الذي يزيد من حالة التأزم النفسي لديه ويقوده إلى الاستسلام للشعور بأن وجوده في حياة أسرته أو عدمه سيان، إذاً من الضروري للزوج، كخطوة أولى، أن يتواصل مع الزوجة أو المقربين منها إذا أمكن، أو أن يتوجه إلى طبيب نفسي أو أصحاب اختصاص في مساعدة الأزواج ليقيموا حالته، ربما هو يعاني ضغوطاً نفسية أو مادية أو اجتماعية أو مهنية أثرت فيه بشكل سلبي وأوصلته إلى مرحلة الاكتئاب. نعرف أن المكتئب لا يرى جدوى من إعطاء العاطفة للآخرين، فينسحب من المحيط الذي هو فيه من دون أن يطلب الدعم.

«لقد وجدت مخرجاً لبرودة مشاعري تجاه زوجتي، وأنا سعيد بالحل الذي حصلت عليه، هكذا يعبر أكرم محمد (أستاذ الرياضيات):
«بعد اثني عشر عاماً من الزواج، بدأت أشعر بالملل من علاقتي الزوجية، وتحول ذلك إلى برود عاطفي كبير، وكأن هناك من وضع مشاعري في ثلاجة ونسيها، لكني لم أفكر في الانفصال أو الطلاق لحظة واحدة، لأنني شديد التعلق بأولادي الثلاثة، وغير مستعد لتعريضهم لأي أذية، لذا بت أعتبر بيتي فندقاً أعود إليه لأنام أو لأرى أولادي وألعب معهم، بقية اليوم أقضيه في المدرسة ومنها إلى حصص الدروس الخصوصية أتنقل من منزل تلميذ إلى آخر، لأنتهي مساءً في المقهى مع أصدقائي حتى ينال مني التعب وأعود إلى منزلي لأنام.
بينما السيد عبد الله الصباغ (متزوج منذ 26 عاماً وله 5 أولاد)، فله سلوك آخر فيخبر: «عشت منذ عامين في حالة برود عاطفي تجاه زوجتي، فاتفقت معها أن تنفض غبار البرود عن علاقتنا، ونترك أولادنا ونسافر وحدنا في إجازة نجدد خلالها مشاعرنا، ونتخلص من هذا البرود الذي هدد زواجنا. بالفعل كان قراراً صائباً جعلنا نعيش مجدداً شهر عسل رائعاً، أقسمنا على تجديده كلما شعرنا بالحاجة إليه). ويتمنى عبد الله من كل الأزواج الذين يشعرون بعواصف تهب في حياتهم العاطفية أن ينسوها ويجربوها، مؤكداً أن نجاح حياته الزوجية خير دليل على فعاليتها. وبما أن لكل شخص رأيه وأسلوبه في التعامل مع الظروف التي تصيبه، فيعترف أمجد ناصيف (مدير في شركة، متزوج منذ ثلاثة أعوام، وله ولد وحيد): «إذا وجدت نفسي لا أحب زوجتي فسوف ألجأ إلى حل من اثنين، إما أصحبها في إجازة لأجدد علاقتي بها، أو آخذ إجازة أمضيها بمفردي كي أشحن مشاعري تجاه زوجتي وأعود إليها مشتاقاً. المهم أن أكسر الروتين الذي أوصلني إلى حالة الفتور في مشاعري تجاهها، فأنا لست من النوع الذي يستسلم بسهولة، وخصوصاً أنني أحب زوجتي كثيراً ولن أسمح لمشاعري أن تخذلني في علاقتي معها، سوف أترك كل شيء وأتفرغ لتقويم حالتي وسبب انتكاستي العاطفية ولن أتراجع قبل أن أضخ الحياة والحماسة إلى زواجي مجدداً).
وسألنا أسامة الحاج (متزوج منذ 5 سنوات ونصف السنة)، ماذا يفعل إذا شعر يوماً بأنه لم يعد يحب زوجته، فوضح قائلاً: (سيكون شعوري غريباً جداً لأنني أعشق زوجتي وأعتبرها حياتي ودنياي، لكن لو سلمت جدلاً وافترضت أن حبي أصيب بوعكة فسوف أعاجل بمداواته فوراً وبشتى الطرق المتاحة لي، والتي أعرف بأنها سترضي حبيبتي فأعمل أولاً على كسر الجليد بيننا من خلال السفر معاً، أو الخروج من البيت، المهم ألا أبتعد عنها قيد أنملة، وأحاول أن أساعدها على العودة إلى المرأة التي أغرمت بها، أطلب منها ذلك بشكل مباشر من دون لف ولا دوران، فمن غير المنصف إلقاء اللوم على الزوجة وحدها، وإذا كانت المشكلة تتعلق بي فلن يغفو لي جفن قبل حلها.
صحيح أن حدوث المشكلات أمر وارد في الزواج، لكن حكمة الزوجين وتفاهمهما والمودة التي تجمعهما هي الجسر الأساسي لعبور أي خلاف، والأهم من هذا عدم التشبث بالرأي واحتكاره، بل إعطاء الطرف الآخر حق التعبير عن رأيه، وأخذه على محمل الجد والاحترام).
أما المهندس (رضوان العطار)، فله رأي مخالف للآخرين: (إن العامل الاقتصادي والمادي يلعب دوراً مهماً في هذه الأيام، لإنجاح العلاقة الزوجية، فالضغط المادي، وغلاء الأسعار، وقلة ذات اليد، تؤثر تأثيراً سلبياً في العلاقة العاطفية بين الأزواج، فالزوج الذي يخرج من الصباح الباكر، ليتابع عمله، مصدر رزقه، ثم يعمل دواماً مسائياً إضافياً، ليؤمن احتياجات أولاده، يعود مساء منهكاً خائر القوى، مستنفداً الطاقة لا يقوى على الأخذ والعطاء والدردشة، نجد أن همه أن يحظى بوجبة عشاء لذيذة آخر النهار، ليخلد بعدها للنوم باكراً كي يجدد نشاطه لعمل اليوم التالي. وهكذا.. أما الرجل المرتاح مادياً، فلديه الوقت الكافي والمال الكافي ليبدع أفكاراً وأشكالاً لإحياء زواجه، لأنه حتى القيام بنزهة أو رحلة يكلف الشيء الكثير هذه الأيام.
وأخيراً نقول: إن العائلة هي الأمل الذي يحيي المشاعر العاطفية لدى الزوج وخصوصاً إذا تواصلت معه واهتمت به، وإذا مر الزوج بهذه التجربة، فلأنه يعاني صراعاً داخلياً يشعره بأنه كان يعمل من دون هدف في الحياة، لذا عليه أن يساعد نفسه أو يطلب المساعدة من الأخصائيين، ليعود بعاطفته إلى زوجته وعائلته، ولا ينسى أن الدراسات العالمية أثبتت أن الحفاظ على الصحة النفسية والاجتماعية، تأتي من خلال الحفاظ على العائلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن