ثقافة وفن

اليوم العالمي للمياه 2016: المياه وفرص العمل

| أ‌. د. وائل معلا

منذ عام 1993، تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 22 آذار من كل عام «باليوم العالمي للمياه»، للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب. وفي عام 2005 صادف هذا اليوم بداية «العقد الدولي للمياه» الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 تحت شعار «الماء من أجل الحياة» والذي استمر حتى العام 2015.
في عام 2006 اختيرت «المياه والثقافة» عنواناً لليوم العالمي للمياه بإشراف منظمة اليونسكو، للفت الانتباه إلى حقيقة أن هناك طرقاً عديدة للنظر إلى المياه واستخدامها والاحتفال بها تبعاً لتنوع تقاليد الشعوب وثقافاتها في جميع أنحاء العالم. فالمياه مقدسة في العديد من الأديان، وتستخدم في مختلف الطقوس والاحتفالات. وقد برزت المياه لقرون عديدة في الأعمال الفنية وفي الموسيقا والكتب والأعمال السينمائية، كما كانت عنصراً أساسيا في العديد من الجهود العلمية.

في عام 2007، كانت «مواجهة ندرة المياه» الموضوع الرئيسي ليوم المياه العالمي بهدف إبراز الخطورة المتزايدة لندرة المياه في جميع أنحاء العالم وآثارها. ثم أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على عام 2008 «السنة الدولية للصرف الصحي» لتسليط الضوء على العدد الكبير من سكان العالم الذين لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي الأساسية. أما في عام 2009، فقد ركزّ شعار اليوم العالمي للمياه على «المياه العابرة للحدود: المشاركة بالمياه، المشاركة بالفرص»، فهناك في العالم 263 بحيرة وحوض نهر عابر للحدود تمتد على مناطق في 145 بلداً وتغطي نصف مساحة اليابسة على الأرض، الأمر الذي ينبغي أن يحفّز على التعاون في الإدارة المشتركة لهذه المياه الدولية بدلاً من أن تكون سبباً للتنازع عليها.
وفي عام 2010، كان شعار يوم المياه العالمي «مياه نظيفة لعالم سليم صحياً» للتأكيد على أن المياه النظيفة هي الحياة، وأن بقاءنا جميعاً يعتمد على الطريقة التي نحمي فيها جودة مياهنا. فقد أصبحت نوعية المصادر المائية أكثر عرضةً للتلوث من النشاطات البشرية، وهناك 2.5 مليار شخص في العالم محرومون اليوم من خدمات الصرف الصحي الأساسية. وفي كل يوم يُطرح عبر العالم مليونا طن من مياه الصرف الصحي والمخلفات السائلة الأخرى ضمن المياه.
وفي عام 2011، أصبح شعار يوم المياه العالمي «المياه للمدن… الاستجابة للتحدي الحضري»، بقصد تركيز الاهتمام الدولي على الآثار المترتبة على أنظمة المياه في المدن والناتجة عن النمو السكاني السريع، والتحول السريع نحو التصنيع، والتغيرات المناخية، والنزاعات والكوارث الطبيعية.
فاليوم يعيش شخص واحد من بين كل شخصين من سكان العالم في المدن. ومدن العالم تنمو بمعدل استثنائي بسبب الزيادة الطبيعية في عدد السكان من جهة، والهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية وتحويل المناطق الريفية إلى مناطق حضرية من جهة أخرى. وفي العديد من مدن العالم، لم تواكب الاستثمارات في البنى التحتية معدل التمدين، وتضاءلت الاستثمارات كثيراً في خدمات المياه والصرف الصحي بشكل خاص. فحجم التغطية بالشبكات الأنبوبية آخذ في التضاؤل في العديد من الأماكن، والفقراء يحصلون على خدمات أسوأ، ويدفعون بالمقابل أسعاراً أعلى للمياه.
وفي العام 2012 أصبح شعار يوم المياه العالمي: « المياه من أجل الأمن الغذائي» انطلاقا من أن العلاقة بين المياه والأمن الغذائي مفتاح أساسي للتنمية. فالأمن الغذائي يتحقق عندما يتمكن البشر كافة وفي جميع الأوقات من الحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية وبأسعار مناسبة. ويجب أن تدعم مشاريع إدارة المياه خلال الفترة المقبلة ولغاية عام 2050 النظم الزراعية التي ستتولى مهمة توفير الغذاء وسبل المعيشة لـ2.7 مليار نسمة إضافية.
وفي العام 2013 اختير شعار اليوم العالمي للمياه: «التعاون في مجال المياه» وذلك تماشيا مع اختيار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 «السنة الدولية للتعاون في مجال المياه» بناءً على اقتراح طاجكستان ودول أخرى. ذلك أن تلبية احتياجات الناس الأساسية، ومتطلبات البيئة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر كلها تعتمد اعتماداً كبيراً على المياه. والإدارة الجيدة للمياه تفرض تحديات خاصة نظراً لخصائصها الفريدة: فالمياه تتوزع بشكل غير متساوٍ في المكان والزمان، والدورة الهيدرولوجية معقدة جداً، والاضطرابات التي تحدث فيها لها آثار متعددة الجوانب. والنمو السريع للمناطق الحضرية، والتلوث، والتغيرات المناخية كلها تهدد مصادر المياه. على حين إن الطلب على المياه يزداد باستمرار لتلبية احتياجات سكان العالم لإنتاج الغذاء والطاقة ولاستخدامات المياه الصناعية والمنزلية. لذا فالتعاون في مجال المياه أساسي لتحقيق التوازن بين مختلف الاحتياجات والأولويات، والمشاركة المنصفة والعادلة في هذا المصدر الثمين، واستخدام المياه كأداة للسلام.
وفي العام 2014 اختير شعار «المياه والطاقة» شعارا لليوم العالمي للمياه نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط المياه بالطاقة، واعتماد كل منهما على الآخر. فتوليد الطاقة ونقلها يتطلبان استخدام الموارد المائية، ولا سيما في حال الطاقة الكهرمائية، والطاقة النووية، والحرارية. ومن جهة أخرى، يتم استخدام نحو 8% من الطاقة المولدة في العالم من أجل ضخ ومعالجة ونقل المياه إلى مستهلكيها.
وفي العام الماضي 2015 اختير شعار «المياه والتنمية المستدامة» شعاراً لليوم العالمي للمياه. للتأكيد على أهمية المياه لجميع الأوجه المتعلقة بالتنمية المستدامة. فالمياه ضرورية لصحة الإنسان، وللنظم البيئية، ولتوسع المناطق الحضرية، وللصناعة، والطاقة، وللغذاء وغيرها.
وفي هذا العام 2016 اختير لليوم العالمي للمياه شعار «المياه وفرص العمل». فاليوم، يعمل ما يقرب من نصف العمال في العالم (أي 1.5 مليار نسمة) في القطاعات المرتبطة بالمياه، والملايين منهم لا تحميهم حقوق العمل الأساسية. ويهدف اختيار هذا الشعار لليوم العالمي للمياه إلى إظهار كيف يمكن للمياه عندما تتوافر بنوعية وكمية كافيتين، أن تغير حياة العمال وسبل عيش الملايين من الناس، لا بل أن تحوِّل المجتمعات والاقتصادات تحويلاً كاملاً. وقد أنيط بمنظمة العمل الدولية بجنيف مهمة قيادة الاحتفالات الرسمية بهذا اليوم. وسيتم خلال هذه الاحتفالات إطلاق التقرير العالمي للتنمية المائية لعام 2016وهو بعنوان «المياه وفرص العمل» أيضا، وقد اختير عنوانه ليتواءم مع شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام. ويحتوي التقرير على أحدث النتائج والحقائق والأرقام المتعلقة بتنمية المياه في العالم.
وفي سورية، يرتبط العديد من فرص العمل بشكل خاص ارتباطا وثيقا بتوافر المياه بالكمية والنوعية المناسبتين، وخاصة في القطاع الزراعي الذي يعدّ في مقدمة قطاعات الاقتصاد الوطني لأهميته الكبيرة في الناتج الإجمالي والميزان التجاري واستيعابه لقوة العمل، ولدوره الكبير في توفير الغذاء للسكان، والمواد الأولية للصناعات التحويلية والغذائية.
فقد بلغت نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي (قبل الأزمة الراهنة) نحو 25 في المئة. كما ساهمت المنتجات الزراعية بنسب كبيرة من إجمالي الصادرات (تجاوزت الـ30 في المئة) إضافة إلى مساهمتها في الصناعات التحويلية والغذائية التي تعتمد على المواد الزراعية. كما بلغت نسبة العاملين في الزراعة نحو 26 في المئة من إجمالي قوة العمل. ويعود ذلك كله إلى التطور الكبير الذي شهدته الزراعة السورية نتيجة زيادة المساحات المروية واستصلاح مساحات جديدة، ما مكن سورية من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القسم الأكبر من المنتجات الغذائية.
ونتيجة الأزمة، تعرض هذا القطاع لخسائر كبيرة طالت البنى التحتية بشكل خاص من مبان وتجهيزات وشبكات ري ومراكز بحوث وغيرها، الأمر الذي زاد من حجم الضغوط على الأمن الغذائي الوطني. لذا فإن إيلاء هذا القطاع المهم الاهتمام اللازم لا بدّ أن يكون من أوليات مرحلة ما بعد الأزمة، مرحلة إعادة الإعمار، ليس من منطلق تحقيق الأمن الغذائي فحسب، وإنما أيضاً لضرورة أن يعود لممارسة دوره المهم في الناتج المحلي الإجمالي، وفي توفير العديد من فرص العمل سواء في القطاع الزراعي نفسه أو في سائر القطاعات الأخرى المرتبطة به.
في عام 2010، أي قبل عام على بدء الأزمة، أشار التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية الصادر عن هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن سورية قد خطت خطوات كبيرة على صعيد تحقيق الأهداف المنشودة للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2000، فقد بلغت نسبة المستفيدين من مياه الشرب الآمنة على المستوى الوطني 92% في عام 2007، وقد تجاوز هذا الإنجاز الهدف المنشود للألفية الذي يجب تحقيقه بحلول العام 2015. كما أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة المزوَّدين بشبكة صرف صحي في المدن حتى وصلت عام 2009 إلى 95% على حين تنخفض عن ذلك في الريف وفي المناطق النائية. إلا أن هذا القطاع أيضاً تعرض لأضرار كبيرة خلال الأزمة على صعيد البنى التحتية خاصة، فتضررت أنظمة توزيع مياه وشبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة وغيرها. لا بد إذاً من بذل كل جهد ممكن في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها لإعادة تأهيل هذا القطاع وخاصة ما يتعلق باستكمال تنفيذ الخطة الطموح التي تضمنتها الخطة الخمسية الحادية عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية في توفير شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي للأغلبية العظمى من سكان المناطق الحضرية والريفية، الأمر الذي سيكون له انعكاسات كبيرة على نوعية المياه السطحية والجوفية في القطر وعلى الصحة العامة والبيئة بشكل عام.
من المؤكد أن المياه عنصر أساسي من عناصر التنمية المستدامة، لما لها من أهمية في مختلف الأنشطة البشرية من زراعية وصناعية، كما أنها أساسية في توليد الطاقة والسياحة وغيرهما. وإن الإدارة المثلى للموارد المائية المتاحة وتخصيصها للاستخدامات التي تعود بأكبر عائد مادي واجتماعي على الاقتصاد الوطني سيكون من أكبر التحديات التي تواجه سورية في المرحلة القادمة، مرحلة إعادة الإعمار. لا بد إذاً من الاستعداد لهذه المرحلة، والبدء بتقييم الأضرار التي لحقت بمنشآتنا وأنظمتنا المائية من أنظمة إمداد بمياه الشرب وأنظمة صرف صحي ومحطات معالجة وأنظمة ريّ وغيرها، تمهيداً لإعادة تأهيلها ووضعها في الخدمة بأسرع وقت ممكن.
إن حجم التحديات التي تواجهها سورية في إدارة مواردها المائية في المرحلة القادمة كبير جداً، وخاصة بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بقطاعاتنا المائية المختلفة، إضافة إلى التحديات التقليدية الإضافية الناتجة عن الزيادة الكبيرة في الطلب على المياه من مختلف القطاعات الخدمية والاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تنافس واضح بين هذه القطاعات على استخدام مصادر المياه المحدودة المتاحة، وخاصة في مواسم الشح وسنوات الجفاف. كل ذلك يتطلب منا أن نكون على أهبة الاستعداد، وحشد كل الطاقات الممكنة لمواجهة هذه التحديات لضمان مستقبل مائي آمن ومستدام لنا جميعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن