ثقافة وفن

يهود في الصحافة السورية.. نماذج الحياة المشتركة

| شمس الدين العجلاني

للصحافة السورية تاريخها الحضاري العريق، ورجالها الأشداء أصحاب الشأن والباع الطويل في مقارعة المحتل وصون الوطن.. الحديث عن الصحافة السورية ذو شجون، قد نبدأ به ولا ننتهي، وهنالك دائماً خفايا في صحافتنا لم يتطرق للحديث عنها، الكثير من المعنيين بهموم السلطة الرابعة.
تأسست أوائل الصحف السورية في منتصف القرن التاسع عشر وصدرت المئات من الصحف والمجلات السورية على مر الأيام والسنين في سورية والبلدان العربية ودول الاغتراب، وسطر رجالات صحافتنا أسماءهم بماء الذهب في سجل التاريخ.
صحيح أننا الآن نفتقر لصحافة تلك الأيام، ولكن لن ينسى أحد أن صحفيينا في يوم ما وزمان ما تربعوا على عرش الصحافة العربية.
في سورية بين عامي 1918-1920 صدرت أربع وخمسون دورية، وفي زمن المحتل الفرنسي صدرت قرابة 183 دورية منها 114 في دمشق.
وفي زمن الاستقلال حدد المرسوم التشريعي رقم 50 الصادر بتاريخ 17/10/1946م بأن تصدر الصحف السياسية بمعدل صحيفة واحدة لكل 50 ألف شخص، وإن طبق هذا المرسوم على أيامنا هذه فيجب أن يكون لدينا قرابة 460 جريدة سياسية!!
شهدت سورية في عهد الاستقلال إصدار عدد كبير من الصحف والمجلات، وخاصة في دمشق وحلب، وبلغت خمساً وأربعين جريدة ومجلة عام 1948م تقريباً، في وقت كان عدد سكان سورية بضعة ملايين.
يجب علينا سادة من مواطنين عاديين، أصحاب شأن وقرار، أو رواد مقاهي الرصيف… أن ندرك أن القلم بمنزلة البندقية في حماية الوطن، وقد يفوقها أحياناً كثيرة.. ألم يسطر بعض الساسة أن جريدتي «القبس» و«الأيام» كانتا من أهم مقاومي المحتل الفرنسي، وأنهما أضحتا مدرسة في المقاومة والوطنية.

صحف سورية غير عربية
تحدثنا في البدء عن خفايا الصحافة السورية، ففي دمشق صدرت في الأيام السابقات، صحف ومجلات في لغات غير عربية، على حين الآن ليس لدينا أي جريدة ناطقة بغير العربية، فقد كان هنالك تجربة يتيمة وأجهضت حين أصدرت صحيفة تشرين «سيريا نيوز» ومن ثم أوقفت!
فقد صدرت في دمشق أيام زمان صحف باللغة التركية والإنكليزية والفرنسية والأرمنية والعبرية، ومن الجرائد الفرنسية كان هناك جريدة «له زيكو Les echos» لصاحبها جورج فارس و«لوماتان Le matin» و«بريد سورية Courrier de la Syrie» و«الدردنيل Dardanil» و«لاكرونيك» لصاحبها أندريه كعيكاتي، ومن الجرائد التي صدرت باللغة الأرمنية بدمشق كان هناك جريدة اسمها «يبرد yabrad».
في دمشق صدرت صحيفتان باللغة العبرية، الأولى اسمها «الحياة»، والثانية اسمها «الشرق»، كما صدرت مجلة باللغة العربية عن الماسونية اسمها «الأنوار».

صحف عبرية بدمشق
ساهم اليهود في الصحافة السورية القديمة، والمعلومات قليلة جداً عن هذه المساهمات، وبرغم بحثي منذ سنوات عدة عن الصحف العبرية السورية في المكتبات الرسمية بدمشق لم أستطع الحصول على أي نسخة منها، واستطعت الحصول في باطن بعض الكتب والجرائد القديمة على بعض المعلومات عن جريدتين عبريتين صدرتا بدمشق، وبغض النظر عن أهداف إصدارهما، أو من يقف خلفهما، فإن هاتين الجريدتين سوريتان ولم يرد ذكرهما في أغلبية معاجم الصحف السورية ودراسات الباحثين في الصحافة السورية وإن ورد اسمهما فيذكر فقط الاسم من دون ذكر اللغة التي تصدران بها أو من هم أصحابها أو رؤساء التحرير فيها.

جريدة الحياة العبرية
بعد مبايعة الأمير فيصل ملكاً على سورية يوم 8 آذار عام 1920م، استدعى إلى القصر شاباً يانعاً لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره يدعى «إلياس (الياهو) ساسون»، الذي كان يتولى رئاسة الشبيبة الصهيونية بدمشق آنذاك، وكان عضواً في «النادي العربي» الذي لم يزل قائماً حتى الآن ومكانه فوق مقهى الهافانا بدمشق.
اقترح الملك فيصل، وهو فيصل الأول ابن حسين بن علي الهاشمي، على الياهو ساسون إصدار جريدة يومية بدمشق باللغة العربية والعبرية، وبتمويل خاص من الملك نفسه، وكان الملك يهدف من هذه الجريدة التقريب بين كل من الحركة الصهيونية والحركة القومية العربية!؟ مع العلم أن الملك فيصل التقى الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية في مؤتمر باريس للسلام 1919م، وعقد معه اتفاقية سميت «اتفاقية فيصل- وايزمان» يوم الثالث من شهر كانون الثاني سنة 1919م: من بنودها «إعطاء اليهود تسهيلات في إنشاء مجتمع للتعايش في فلسطين والإقرار بوعد بلفور».
وصدرت جريدة «الحياة» بدمشق وبتمويل من الملك فيصل نفسه وكانت تطبع وتوزع سبعة آلاف نسخة من كل إصدار، وهو رقم كبير جداً في ذاك الزمن!؟. بمقاييس تلك الأيام، وترأس تحريرها إلياس ساسون ذاته.
صدرت « الحياة « بواقع ثلاث مرات أسبوعياً، واستمرت بالصدور فقط تسعة أشهر، حيث توقفت بدخول المحتل الفرنسي لدمشق يوم 25 تموز من العام 1920.
صدور هذه الجريدة بدمشق لم يلق الترحيب من الوطنيين في سورية، وهذا ما دعا توفيق مفرج، مندوب منطقة الكورة اللبنانية في المؤتمر السوري الأول «أول برلمان في بلاد الشام»، وهو صحفي صدر بحقة يوم 9/8/1920 حكما فرنسياً بالإعدام، لتلاوة تقرير عن هذه الجريدة الصهيونية «الحياة» في المؤتمر السوري، مطالباً المؤتمر بالتحرك لدى الحكومة لإيقاف هذه الجريدة «جريدة العاصمة العدد 139 تاريخ 8 تموز عام 1920م».
ترأس الياهو ساسون رئاسة تحرير «الحياة» طوال فترة صدورها، والياهو ساسون، لغز كبير، وصاحب علاقات عربية كبيرة جداً
الياهو ساسون

الياهو ساسون يهودي عراقي ولد وترعرع بدمشق، هو من مواليد 1902م، توفي في إسرائيل في 8 تشرين الأول عام 1978م، ولد لأسرة يهودية دمشقية متوسطة الحال، هاجر عدد من أفرادها إلى فلسطين عام 1919م، في حين هاجر الياهو إلى فلسطين عام 1927 م، تعلم في مدرسة «كِيئَح» («الاتحاد الإسرائيلي العالمي» وهو الاسم العبري لشركة يهودية تم تأسيسها في عام 1860 حيث اسمها المختصر والمعروف هو «إليانس»)،
هو صحفي وموسيقي ودبلوماسي ووزير لعدة مرات، بدأ نجمه يصعد في أرضنا المحتلة فلسطين عام 1934م عندما أصبح رئيساً للقسم العربي من الوكالة اليهودية الدائرة السياسية، وبعد عام 1948م تم تعيينه مديراً في وزارة الخارجية الإسرائيلية إدارة الشرق الأوسط.
كان أول رئيس للبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في تركيا في عام 1949، وبعد عام 1952 تولى منصب سفير لإسرائيل في إيطاليا..
هو أهم مفاوض مع العديد من الشخصيات والمسؤولين العرب في سورية، ولبنان، والأردن، ومصر… بل قيل إنه كان على علاقة طيبة مع القوميين العرب!؟ وزار العديد من الدول العربية مرات كثيرة واجتمع مع الزعماء العرب.
يتقن العربية كأهلها تماماً مع اللهجات المحلية لكل بلد ومنطقة.
قبل وبعد عام 1948، قام ساسون بأدوار رئيسية في الصراع العربي الصهيوني كما كان له دور في العلاقات بين إسرائيل والدبلوماسية العربية، التي تسعى إلى تعزيز التفاهم والاتفاق، تاريخه وعلاقاته العربية– الصهيونية السرية والعلنية جعلته لغزاً يخبئ العديد من الأسرار!؟
في عام 1940م، عقد لقاءات سرية مع الأمير (الملك فيما بعد) عبد اللـه وأعضاء الوفد المرافق له. في كانون الأول من عام 1947، كتب رسالة إلى الأمين العام للجامعة العربية على أمل العثور على وسيلة لمنع اندلاع القتال. كان ضمن الوفد الإسرائيلي في محادثات الهدنة مع المصريين في رودس.
يذكر ساسون في مذكراته لقاءات عقدها مع بعض الزعامات السورية مثل شكري القوتلي ولطفي الحفار وفخري البارودي وجميل مردم بك، والزعيم اللبناني رياض الصلح الذي عقد معه عدة لقاءات عام 1948م في فندق بريستول ببيروت، كما أجرى الياهو ساسون اتصالات مع صدقي باشا رئيس وزراء مصر.
ترك ساسون مذكراته التي تحتوي على العديد من الخفايا كما يرويها هو عن علاقاته العربية– الصهيونية، وكتاب «الطريق إلى السلام- رسائل ومحادثات» (عام 1978) (باللغة العبرية) والعديد من المقالات في المجلات والجرائد التالية: جريدة «القبلة» التي كانت تصدر في مكة المكرمة ونشر فيها في شهر آذار من عام 1918م مقالة تدعو إلى التعاون مع اليهود والحركة الاستيطانية في فلسطين، و«الأنباء»، «دَفَار»، «هَآرِتْس»، «دُوئَرهَيُوم»، «هَزْمَن»، «هَبُوعِيل هَتْسَعِير» وغيرها.
والحديث عن الياهو ساسون طويل يكشف خفايا الصراع العربي– الصهيوني..

جريدة الشرق العبرية
وهي أيضاً جريدة يهودية صدرت بدمشق في العهد الفيصلي عام 1920م، والمعلومات عنها نادرة، وهي جريدة عربية – عبرية، صاحبها ومديرها المسؤول التاجر اليهودي إبراهيم طوطح، صدر العدد الأول منها يوم 3 تموز من العام 1920م، وكانت افتتاحية العدد بعنوان (إلى الطائفة الإسرائيلية في سورية)، ويبدو أنها كانت لسان حال الطائفة الموسوية في سورية.
وإبراهيم طوطح ولد في دمشق عام 1884م، وعمل بالتجارة، وكان عضواً في غرفة تجارة دمشق، وتوفي في بيروت عام 1956م. وأيضاً هذه الجريدة لم تنل رضا الوطنيين السوريين، وطرح موضوعها خلال جلسات المؤتمر السوري الأول من قبل الصحفي توفيق مفرج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن