«داعش» تتقهقر
| صياح عزام
بلغ تنظيم «داعش» الإرهابي ذروة غير مسبوقة في تاريخ الحركات الإرهابية وبسرعة قياسية فريدة من نوعها أيضاً… وبطبيعة الحال، أنه لولا تواطؤ لاعبين دوليين ولاعبين إقليميين في مقدمتهم تركيا والسعودية وقطر في مجال دعم التنظيم وتأمين تحركاته وتنقلاته واحتياجاته المالية، والإتجار معه بالنفط والآثار المسروقين من سورية والعراق وبالأعضاء البشرية، لما أمكن له أن يقفز من «مجرد» تنظيم إلى إعلانه عن دولة مترامية الأطراف بعد سيطرته على بعض الأراضي السورية والعراقية ومد نشاطه إلى مصر وليبيا واليمن ودول إفريقية وحتى إلى دول أوروبية؛ الأمر الذي جعل المجتمع الدولي يستيقظ على خطر هذا التنظيم ويتنبّه للحاجة الملحة للقضاء عليه، ويتخذ بعض الإجراءات المحدودة حتى الآن لتجفيف منابعه ومصادره، إلا أنها على محدوديتها غير كافية للتبشير بقرب نهايته، وكان لها تأثير ملموس في ميادين القتال، خاصة بعد التدخل العسكري الجوي الروسي في سورية، الذي أدى إلى تدمير مئات المواقع ومستودعات الأسلحة ومراكز القيادة، وكذلك إلى انهيار الكثير من مؤسسات التنظيم وانحسار سيطرته على المدن والبلدات السورية والعراقية (وكان آخرها تحرير تدمر وطرده منها). ولكن هذا لا يعني طيّ صفحة هذا التنظيم تماماً، بقدر ما يعني حرمانه من الملاذات الآمنة التي تمكّنه من التفكير والتخبط بشأن عملياته الإرهابية في الأيام المقبلة.
في الآونة الأخيرة، ألقى من يُسمي نفسه «خليفة المسلمين» أبو بكر البغدادي كلمة صوتية كان فيها أمران مُلفتان للنظر، الأمر الأول: تركيزه على قيمة «الشهادة» كطريق مختصر لبلوغ الجنة، بعد أن كان في خطبه السابقة يُكثر من الحديث عن «النصر في الدنيا».. والأمر الثاني: تركزه على «تمدد» الدولة أكثر من بقائها؛ الأمر الذي يوحي بأن البغدادي أراد من خلال الأمرين السابقين إجراء تعديل جوهري على الشعار الذي صاحب نشوء «دولته» المزعومة: «باقية وتتمدد» ليصبح «تتمدد» فقط. وفي هذا المجال عدد قائمة الدول التي نجح داعش في الوصول إليها والحصول على موطئ قدم فيها، كما أشار إلى نيات التنظيم لتوسيع دائرة حروبه ومعاركه بحيث تشمل الأقصى وبيت المقدس وفلسطين، إلا أن التدقيق في ثنايا الكلمة الصوتية، يشير إلى أن داعش في مأزق، وأن مسؤوليها يستشعرون ما سيلحق بهم من هزائم في الأراضي السورية والعراقية التي استولوا عليها، وعلى سبيل المثال، كشفت رئاسة أركان الجيش العراقي عن تقلص مساحة الأراضي التي تسيطر عليها داعش في العراق من 40% إلى أقل من 17% فقط. هذا قبل استعادة الجيش العراقي للرمادي مؤخراً وإن لم يكن بشكل كامل حتى الآن. وهذه النسبة هي في تناقص مستمر بعد أن انتقل الجيش العراقي من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم وامتلاك زمام المبادرة.
وفي سورية لا تبدو الصورة مُغايرة على الإطلاق، فقد خسر التنظيم في شمال شرق البلاد أكثر من 15% من المساحات التي كان يستولي عليها إلى جانب مساحات واسعة أصبح لا يستطيع التفكير بالتقدم نحوها قبل أن يخسر في تدمر والبادية أراض شاسعة لذلك سمح البغدادي لآلاف الإرهابيين جنوب دمشق بالرحيل عنها ضمن صفقة هي الأولى من نوعها، علاوة على ما فرّ من الدواعش في شمال وشرق سورية باتجاه تركيا نتيجة ضربات الطيران السوري والروسي والمكاسب التي يحققها الجيش العربي السوري وهكذا إزاء مثل هذه الأوضاع الميدانية لم يبق لدى «الخليفة» ما يعد به رعيته ومبايعيه سوى ما يُسميٍه الثبات في المعارك، والتبشير بالجنة، وتزكية للشهادة وتزيينها، وأيضاً التبشير بتمدد دولتهم إلى سيناء واليمن وليبيا ونيجيريا، وليس لديه ما يقوله إلا أن خسائر تنظيمه الإرهابي في سورية والعراق لا تمنع من إيجاد ملاجئ وملاذات أخرى يتم الانطلاق منها لترميم «الخلافة» ومدّ سلطانها على أية حال، وإن انهيار مؤسسات هذا التنظيم الإرهابي وانحسار سيطرته عن المدن والبلدات السورية والعراقية لا يعني القضاء عليه بشكل نهائي، بقدر ما يعني حرمانه من «الملاذ الآمن» الذي يساعده على التفكير والتخطيط لعملياته الإرهابية في قادمات الأيام، وبالتالي من الضروري ملاحقة خلاياه النائمة واليقظة لأن ما زرعه تنظيم داعش وأمثاله من جبهته النصرة وغيرها يصعب اقتلاعه بسرعة.