من دفتر الوطن

تدمر.. ومواسم الفرح

| عصام داري

خيّم ظلامٌ جاهلي لحظة سقوط تدمر بأيدي الخارجين من مغاور العتمة وجحور التخلف وعصور التوحش، واعتزل النور مهنته يوم هوت يد آثمة على عروس الصحراء، وحارسة البادية، فالظلمة والنور لا يجتمعان تحت سماء واحدة، والرقي لا يلتقي مع الخسة والانحطاط.
لكن الشمس عادت لتشرق من جديد عندما عادت تدمر إلى حضن الحضارة، لتثبت للعالم أجمع أن التاريخ الذي كتبه أجدادنا بمداد من الذهب والفضة، عاد ليضع فيه الأحفاد سطوراً بمداد من دم ولحم.
تدمر التي عرفها العالم ثروة حضارية راقية ليست بالنسبة لسورية فحسب، بل هي ثروة لا تقدر بثمن للإنسانية جمعاء، تدمر هذه لها من أسمائها نصيب كبير، ولها من تاريخها العريق سجل مذهب ومزركش بحكايات الانتصارات والإنجازات التي قدمتها للبشرية.
وعندما نقول: إن لتدمر من اسمها نصيباً، فإننا نعود إلى سفر التاريخ الذي سطرت فيه الحكاية التدمرية، التي تذكر أن معنى اسم تدمر باللغة العمورية «بلد المقاومين» أما باللغة الآرامية السورية القديمة فتعني «البلد الذي لا يقهر» واسمها أيضاً «تدمرتا» ومعناها المعجزة، وتدمر اليوم أثبتت أنها بالفعل والقول المعجزة وبلد المقاومين الذين يفضلون الموت على خيانة مدينتهم ووطنهم وآثارهم وأوابدهم التاريخية.
ونحن نحتفل اليوم بهذا النصر المؤزر وعودة عروس الصحراء إلى عريسها، علينا ألا ننسى رجلاً بقامة وطنية شامخة فدى تدمر وآثارها وحضارتها بروحه وفضل الموت ذبحاً على أيدي أقذر مجرمي التاريخ وأكثرهم وحشية، على أن يقدم مفاتيح كنوز مدينته الخالدة، كي يظل التاريخ يحكي قصة انتصار العين على المخرز، والعلم على الجهل، والنور على الظلام، والخير على الشر والحب على البغضاء.
علينا أن ننحني بإجلال واحترام وتقدير أمام قامة سورية شامخة وخالدة، ونعني بالطبع العالم الجليل خالد الأسعد الذي يعرفه العالم ربما أكثر مما يعرفه الكثيرون من أبناء وطنه، وربما علينا أن نكرم هذا الرجل- الشهيد بما يستحق، ولا أظن أن الدولة غافلة عن هذا الأمر، وخاصة أن دولاً أوروبية كرمته، وقد أطلق اسمه، على سبيل المثال، على ساحة رئيسية في مدينة بيزا الإيطالية.
إذا كانت تدمر هي حارسة البادية، ومملكة الصحراء، وحاضرة الملكة زنوبيا، فإن خالد الأسعد كان حارساً لتدمر وراوياً لتاريخها وحضارتها.
اليوم، وقد عادت شمس الحضارة لتشرق من عروس الصحراء، فإن موسم فرح بدأ من جديد مبشراً بمواسم فرح تعم الوطن من البحر إلى البادية، ومن اسكندرون إلى الجولان وصولاً لكامل التراب الوطني السوري لنتوج أفراحنا بانتصار كبير صار في متناول اليد، ولم يعد حلماً.
لم نكن نحلم عندما قلنا: إن تدمر ستعود إلى حضن الوطن، وإن الذين خطفوها عابرون في الزمن الرديء الذي صار فيه أعداء الحضارات يوظفون الإرهابيين لتدمير أصحاب الحضارات الراقية، من بلاد ما بين النهرين إلى بلاد الفراعنة، وطبعاً بلاد الشام وحضاراتها الملونة بلون التاريخ نفسه، فقد كان حلمنا حقيقة ملموسة، ورهاننا كان هو الرهان الرابح الوحيد في عالم مزيف ومزور ومهترئ
بدأ موسم الفرح.. والعمل معاً لترميم ما تهدم، والاستعداد لما هو آت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن