كتاب «روسيا والغرب- حرب الألف عام» … كراهية وقلق.. وروسيا عنصر سلبي في نظر الغرب
| مها محفوض محمد
روسيا عدو الغرب، هي الصورة التي لا تنفك وسائل الإعلام الغربية إبرازها في خطابها الإعلامي المضاد لروسيا الذي يتحول إلى هجوم إعلامي عليها وعلى الرئيس بوتين لأنه أفشل الغرب في تخريب بلاده بعد تسعينيات القرن الماضي حيث تمكن من رد الاعتبار لروسيا كدولة عظمى ومنع انهيار وحدة البلاد إلا أن هذا الخطاب العدائي الذي يشتد الآن ليس وليد اليوم فقط ولا في مرحلة الشيوعية والحرب الباردة بل يعود إلى عهود قديمة جداً ذلك لأن الأراضي الروسية الغنية بقيت عصية على أطماع الغرب وغزواته منذ القدم وقد يعود ذلك إلى سقوط قرطاجة بأيدي الرومان عام 146م وتوسع الإمبراطورية الرومانية في أنحاء أوروبا شمالاً وجنوباً إلى أن توقفت على تخوم الأراضي الروسية بسبب مقاومة أهلها ومناخها البارد فبقيت روسيا المساحة الجغرافية الكبرى بثرواتها هدفاً لأطماع الغرب حتى اليوم وبقيت مشاعر الكره والعداء التاريخي لها قائمة تتجسد بصورة واضحة في خطاب إعلامي مناهض لروسيا ولرئيسها بالتركيز على تشويه الصورة وشيطنتها.
عن هذه الكراهية والقلق الغربي حيال الروس تحدث الكاتب الصحفي السويسري غي ميتان في كتاب عنوانه «روسيا والغرب – حرب الألف عام» وعناوين فرعية منها «الكره الغربي لروسيا منذ عهد شارلمان وحتى الحرب الأوكرانية» و«لماذا نكره روسيا لهذه الدرجة».
الكتاب صدر منذ أشهر يشرح فيه الكاتب الطريقة التي يحاول فيها الغرب تشكيل صورة «روسيا الشريرة» وكيف يعمل عليها، والكاتب غي ميتان هو أيضاً رجل سياسة ومؤرخ ورئيس نادي الصحافة السويسرية أجرت معه منذ أيام مؤسسة RBTH الروسية لقاءً حول الكتاب نشره موقع لوفيغارو يقول فيه الكاتب:
إذا كنتم تقرؤون الصحافة الغربية من أميركية وبريطانية وألمانية أو وسائل إعلام فرنسية كالتلفزيون مثلاً فإنكم تجدون أنه وبطريقة ممنهجة يتم وصف روسيا بأنها عنصر سلبي في العلاقات الدولية وأنها سلبية بالنسبة لأمن أوروبا وبالمفهوم الديمقراطي وحقوق الإنسان وهذه مشكلة، أنا لا أقول إن روسيا كاملة المواصفات وإن الرئيس بوتين هو الزعيم الأفضل في العالم، ليست هنا المشكلة ما نستطيع رؤيته -إذا بذلنا جهوداً لنكون منصفين أو محايدين- هو أن تصرفات روسيا تهدف إلى الدفاع عن مصالحها الخاصة فهي تفعل ذلك مثلها مثل أي بلد آخر في العالم ليس أفضل وليس أقل لذلك فإن روسيا هي الهدف لزملائنا في وسائل الإعلام الغربية وهذا ما يزعجني وكان السبب الذي دفعني لإفهام القارئ هذه الظاهرة في كتابي ولم أستعن في الكتاب إلا بمصادر غربية حتى لا أتهم بالمواربة أو الانحياز لروسيا وحاولت قدر الإمكان أن أكون موضوعياً، أنا لا أدافع عن روسيا إنما وببساطة حللت الصورة الحقيقية لهذا البلد وهناك عدد كبير من الكتاب البريطانيين والأميركيين وأساتذة جامعيون انصرفوا لدراسة هذه الظاهرة ظاهرة الرعب الغربي من روسيا (روسوفوبيا).
وعن سؤال كيف يمكن أن توجد روسوفوبيا في سياق حرية الصحافة التي يعتبر الغرب نفسه بطلها وكيف لأوساط إعلامية مختلفة أن تتحدث بصوت واحد؟
يقول ميتان المشكلة هي في الحرية الشكلية أو الصُورية الظاهرة في الصحافة الغربية فاليوم الكثير من الصحف وقنوات التلفزة تتبع الأشخاص ذاتهم وها نحن نشهد منذ خمسة عشر عاماً ضخاً إعلامياً لهؤلاء الناشرين والمالكين كما أن المالك لم يعد ناشراً كما كانت الحال مع الجيل السابق إنه مالك ممول هدفه فتح العالم على أعماله وخلق ظروف مواتية لحرية الترويج لثرواته وخدماته فوسائل الإعلام تدافع عن هذه الفكرة بقوة.
لقد أصبح بوتين عدواً للولايات المتحدة بعد عام 2003 حين قرر أن يحمي سيادة بلده ومواردها وخاصة البترول أعتقد أنها كانت أحد أسباب تغيير رأي وسائل الإعلام الغربية تجاه روسيا والعناوين يمكن أن تتغير لكنهم يقصون علينا الحكاية ذاتها من الشرير ومن الجيد وبشكل عام فإن الغرب هو الجيد أما روسيا والصين فهم الأشرار المهم تركيب الصورة السلبية لتلك البلدان والرئيس بوتين يمكن أن يكون القيصر نيكولا الأول أو ستالين أو أحداً آخر لكن صورته دوماً سلبية وهذه هي المشكلة بل في الرقابة الذاتية عند الغرب فإذا حاولت الدفاع عن روسيا في الصحافة الغربية فقد تفقد عملك لأنها مسألة محظورة وهذه الرقابة فعالة جداً وعندما أحاول إثارة الموضوع مع زملائي يرفضون الاعتراف بما يحصل.
وعن جذور الروسوفوبيا يقول الكاتب هناك فكرتان (كليشات قديمة متجذرة لدى رجال الدين على اختلافهم) بأن الخط الذي يمر على طول الحدود مع السويد وفنلندا وبلاد البلطيق وبولونيا وإلى شرق أوكرانيا هو تقريباً خط يفصل بين البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذوكس وقد كان هذا الخط منطقة نزاعات خلال قرون، إنه تقسيم قديم جداً بقي قائماً بقوة فعندما تتصرف روسيا وحدها وبحسب إيديولوجيتها يعود الخط للظهور من جديد فإن تقوَ روسيا يقوَ العداء ضدها وإن ضعفت فلا بأس ليس هناك من مشكلة ويوم غابت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كتب بريجسنكي مستشار الرئيس السابق كارتر كتاباً بعنوان «رقعة الشطرنج الكبرى» يشرح فيه أسباب وجوب تقسيم روسيا إلى ثلاثة أجزاء لأن فكرة أن تكون روسيا قوية وحليفة للصين أو آسيا قوية أمر غير مقبول فهو يرى فيها تنافساً إيديولوجياً وخاصة جيوسياسياً كما أن روسيا تشكل مساحة مهمة أيضاً لاستقرار أسواق آسيا الوسطى يتبع جزئياً لروسيا والصين.
وعن سؤال هل من ظواهر أخرى مشابهة لظاهرة روسو فوبيا وهل هي نتاج الحضارة الغربية؟ يقول ميتان إنها تشبه نوعاً ما ظاهرة معاداة السامية لكن ليست ذات الشيء لأن معاداة السامية أقوى بكثير وخاصة ضمن الأسلوب الذي تم اتباعه أثناء الحرب العالمية الثانية ومرحلة النازية والفوبيا الروسية ليست قوية بهذا الشكل إنما توجد بكل بساطة نزعة ورغبة بتقديم الروس على أنهم أعداء وبرابرة وديكتاتوريون وأنهم أنصار توسع إقليمي، إنها نتاج الحضارة الغربية بالتأكيد فهي غير موجودة في اليابان رغم وقوع حربين بين روسيا واليابان لكن اليابانيين لا توجد عندهم هذه الفوبيا مع أنهم لا يحبون الروس كثيراً بسبب بعض التوترات ولا يظهرونهم بصورة سلبية إذاً الروسوفوبيا هي نتاج غربي حصراً وقد جاء ذلك بأشكال مختلفة عبر تاريخ الدول الغربية فمع أميركا ارتبطت بالحرب الباردة وبدأت بعد الحرب العالمية الثانية في حين عند البريطانيين كان ظهورها بعد الحروب النابليونية أي إنه في بريطانيا والولايات المتحدة هي ظاهرة جيوسياسية سببها الأطماع والهيمنة القارية وفي ألمانيا أيضاً كانت مسألة غزو لأراضي أوكرانيا وبيلاروس إضافة إلى أنها مسألة إيديولوجية حيث إنه وفي الحقبة النازية كان السلافيون يعتبرون كأوباش أما في فرنسا فإن الشعور بهذه الفوبيا هو إيديولوجي ارتبط أيضاً بالسياسة وبفكرة الديمقراطية فمنذ القرن التاسع عشر بدأ الفرنسيون يشددون على أن روسيا استبدادية بينما كان يتم تقديم فرنسا على أنها بلد تقدمي مستنير.
وكان السؤال الأخير لماذا لا توجد هذه الفوبيا في سويسرا وعليه يجيب الكاتب لأنه لدينا أربع ثقافات وأربع لغات اعتدنا العمل عليها جميعاً كما أنه لدينا الكاثوليكية والبروتستانت وتقسيماتنا الخاصة فمن الصعب الحكم على الآخرين لأنه يجب أن نعيش معاً وأن نكون حياديين وهذا مدرج في دستورنا وفي جيناتنا علينا أن نحترم التوازن بين الدول وأن نكون أقل نقداً من الآخرين كما أن روسيا لها صورة إيجابية في سويسرا بفضل الجنرال سوفوروف الذي جاء إليها خلال حروب نابليون وكنا معارضين بقوة لنابليون فترك سوفوروف شعبية كبرى هنا.