أكذوبة الرقم واحد
| عامر فؤاد عامر
يكرس الزمن في مجتمعنا مثقفاً ما بسبب ريادته أو لربما بسبب أسبقيّته في العمر فيستثمر فرصته في مرحلة لم يعِ إياها غيره، فيكون سباقاً بصورة واضحة وجليّة للحدث أو الصيغة الإبداعية التي انهمك فيها، فيصبح كلّ من يأتي بعده من أدباء خاضعين لاعتباره وكأنّه الميزان أو القبّان الرافض لكلّ وزن ولا قيمة إلا من خلاله، ولا تقدير إلا من رأيه، ويأتي المجتمع ليعزز هذه الحالة فيزيد من الاعتبار وتقديس الحالة ونفي الآخرين من دونه، وهكذا يصبح ذلك الأديب قادراً على النسف والإلغاء لكلّ من يمكنه أن يقدم جديداً أو يتفوق عليه، أو لا يرضى عما يكتبه ويقدّمه!
ينتشر مصطلح «المْعَلْمِيّة» كثيراً في أوساط متعددة اليوم، وهو مصطلح شائع يحمل الكثير من الغوغائيّة والمعنى الفارغ، بمعنى أنه غير عميق المضمون لكنه موحد بين كلّ من نطلق عليه كلمة «مْعَلْمْ» ونقصد بالمعلم أنّه الرقم القادر على إلغاء جميع من حوله من خلال النسف والقهر والإلغاء ومن دون أن يعترضه أحد، لدرجة أن البعض عندما يريد أن يكسب ودّ أحدهم ممن هم من ذوي السلطة أو تصريف الأمور فإنه أول ما ينعته به هو هذه الكلمة – مْعَلْمْ – كيف يرضي غروره ويرفع من مستوى أنانيته عسى أن يلبي له مطلبه! وللأسف هنا أيضاً يساهم أحدنا دون وعي منه بأن يعزز من سلبية التسلط والغباء من دون أن يدري بأنّه يضر بكلّ من يشترك معه في مساحة العيش ضمن هذا الوطن.
في كل الميادين الثقافيّة نجد قانوناً مشوّهاً له سيطرته العفنة الواضحة، فهناك من يصمم عن سبق الإصرار والترصّد على الهيمنة على من همّ حوله من أبناء المهنة نفسها ولا يعترف بمن جاء بعده ولا يتنازل عن هذا الاعتبار إلا أمام حلٍّ وحيد هو الرحيل، وهذا ينطبق على الإذاعة لدينا اليوم ولاسيما الخاصّة، إذ يعتقد أحد القائمين على إدارتها بأنّه هو في المقدمة ولا يرى غيره منافساً ولا لائقاً لأن يذكر اسمه بالمقارنة فيفرض شروطه على الضيوف الذين يشرفونه بحضورهم إلى الاستديو الخاصّ بتلك الإذاعة، وليس العكس وكما يروّج ويفهم بأنّه هو وتلك الإذاعة فرصة للناس التي تمتلك الموهبة! وبالتالي يقلبون قواعد الحياة فهم فرصة للناس وليس العكس أبداً، إلا أن مصطلح «المْعَلْمِيّة» وقانون «البلطجة» هو من يمدّهم بهذه المكانة الكاذبة.
كذلك الأمر في مجالات الإعلام والموسيقا والرسم والتمثيل وغيرها، فهناك أسماء على قلّتها في العطاء وانخفاض مستواها في القيمة إلا أنها تُكرّس لتكون إلهاً لا يمكن تجاوزه، فعلى مدى سنوات وسنوات يتمّ التقيد باسم رسام كاريكتور واحد ويتم إلغاء وتهميش كلّ الأسماء الأخرى لدرجة أنه يتمّ الاعتقاد بأن هذا الفنّ لا يفقه به أحد إلا ذلك الاسم في حين أن من عاصره ومن سبقه ومن أتى بعد من أولئك الفنانين هم أفضل منه بمراحل، لكن للأسف تتضافر الجهود للإعلاء من شأنه في حين يمكنه ببساطة أن يعتلي هذه المكانة ويمثل بكلّ ريائه أنه فعلاً الأهم والأذكى والأفضل على مستوى العالم وليس فقط على مستوى الوطن!
في السينما أيضاً نجد المشكلة ذاتها فالتكريس لرقم واحد مسألة واضحة جداً، ولا مجال للمنافسة الشريفة هنا أيضاً، بل يمكن كسر كل من يحاول تجاوز أكذوبة الرقم واحد بل إن تعدَّ حدوده فسيتمّ حرقه بكلّ بساطة! وأودّ أن اضرب مثالاً من واقعنا وذاكرتنا وهو عن القديرة والمرحومة الفنانة «أمينة رزق» التي لم تحتفظ مع تقدّم العمر بدور الفتاة المغناج، كما تفعل بعض النجمات لدينا، لكنها بقيت الممثلة رقم واحد دون منازع، محافظة على مكانها وليس بإصرارها أو بقانون البلطجة المنتشر ذلك، فالناس أو محبة الشارع هي التي جعلتها في تلك المكانة، وإن رحلت فقد حققت لنفسها مكانةً ورقماً ومن دون أن تلغي الآخر أو تنسفه.