قمر تدمر يسطع عالياً
| حسن م. يوسف
لا مكان للمجاز في عنوان هذه الزاوية، فأنا لا أقصد به شيئاً يختلف عن معناه الحقيقي، ففي نهاية العام الماضي بعد فترة من قيام أبناء الظلام الدواعش بإعدام عالم الآثار الجليل خالد الأسعد، أجرى الاتحاد العالمي للفلك استفتاء لتسمية قمر كان قد اكتشف حديثاً حول كويكب اسمه الراعي، فكانت نتيجة الاستفتاء هو تسمية ذلك القمر باسم تدمر «tadmor» واللافت في الأمر هو أن الاتحاد العالمي للفلك اعتمد اللفظ العربي لاسم تدمر لا الاسم الذي أطلقه على المدينة المستشرقون من أبناء الغرب.
يمكن الاطلاع على قرار الاتحاد العالمي للفلك على الرابط التالي:
http://www. iau. org/news/pressreleases/detail/iau1514
يبدو أن دموعنا تصبح سخية مع التقدم في العمر، فقد قفزت دموعي من عيني عندما قرأت عن الطريقة الوحشية التي أعدم بها عالم الآثار الجليل خالد الأسعد الذي لم يحترم القتلة عمره الكبير فقتلوه وعلقوه على الأعمدة التي أعاد بناءها، عقاباً له لأنه لم يرشد مقاتلي داعش لمخبأ التحف التدمرية النفيسة! وللسبب نفسه انحدرت دموعي على خدي عندما اطلعت على نتيجة استفتاء الاتحاد العالمي للفلك بإطلاق اسم (تدمر) على ذلك القمر البعيد الذي يدور حول كويكب الراعي، كما سال دمعي مدراراً البارحة وأنا أرى مراسل الفضائية السورية يتجول في متحف تدمر الذي نهبت نفائسه وحطم البغاة القساة أبناء الأفاعي، ما لم يمكنهم نقله وبيعه من تحفه التي لا تعوض!
رغم كل هذا الأسى الذي لا ينسى، أقر وأعترف أنني وددت البارحة لو كنت مراسلاً ميدانياً كي أقبل الأرض التدمرية تحت أقدام بواسل الجيش العربي السوري، الذين ردوا بصدورهم موجة الظلام العاتية التي أراد الغرب لها أن تبتلع منطقتنا بأكملها.
قبل نحو خمسة وعشرين قرناً قال عبقري التراجيديا الإغريقية سوفوكليس (496 ق. م-405 ق. م) الذي فاز نحو عشرين مرة بالجائزة الأولى في مهرجان ديونيسيوس للمسرح: «ليس من شر أكبر من الفوضى». وقد تعمد الغرب نشر شر الفوضى في منطقتنا بشكل متعمد وبعقل إجرامي بارد، ولتحقيق غايته صنع مسخ الإرهاب من أسوأ ما فينا ووضع ذلك المسخ في أحضاننا وراح يطلق الرصاص علينا بحجة أنه يطلق الرصاص على الإرهاب.
سوف يسجل التاريخ أن الفوضى المشؤومة التي زعم الغرب أنها خلاقة قد انكسرت شوكتها في تدمر، والنصر ليس بغريب عن هذه المدينة العريقة، فقد ورد في عدد من الموسوعات أن تدمر تعني باللغة العمورية «بلد المقاومين» كما تعني باللغة الآرامية السورية القديمة، «البلد الذي لا يقهر» ولهذا كله استحقت تدمر أن تكون قمراً في السماء وقمراً على الأرض.
ينزف القلب دماً لمرأى تمثال (أسد اللات) محطماً ومتناثراً على الأرض، كما يتفتت الكبد غيظا لمرأى معبد بعل المدمر ومعبد بعل شامين المفجر، ولا يسع المرء إزاء هذه المأساة إلا أن يردد ما قاله شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري (973 -1057م) الذي قطع الدواعش رأس تمثاله في المعرة، عندما مر بجاهل يقوم بتخريب الآثار:
«أهادمها شلت يمينك خَلِّها / لمعتبرٍ أو واقفٍ أو مسائل
منازل قوم أذكرتنا حديثهم / ولم أر أحلى من حديث المنازل»