اتجاهات الديمقراطية الغربية أمام «اختبار إجهاد»
| د. قحطان السيوفي
الديمقراطية الغربية، على جانبي الأطلسي، تواجه اختبار إجهادٍ صعباً. اتجاهاتها متباينة في ألوانها ومفاهيمها وأهدافها… تشن الحروب مباشرة وأغلبها بالوكالة… تدعم الإرهاب وتَدعي محاربته.. تدمر بعض الدول وتنشر الفوضى فيها… وتدعي أنها ستدعم مؤسسات الدولة في مكان ما… تدعي دعم حقوق الإنسان… وتشجع قهر الناس… وخاصة دعمها لإسرائيل في انتهاك حقوق الفلسطينيين… تدعم النخبة الرأسمالية القابضة على الجزء الأكبر من الدخل الوطني، وتترك الأغلبية تعاني من صعوبات الحياة المعيشية… حتى الانتخابات الرئاسية تفرز مرشحين عنصريين متطرفين يطالبون بتهجير الأجانب.
في عام 2008. فاز الرئيس الأميركي أوباما… اعترض على غزو العراق، وأعاد القوات الأميركية… وظهر كزعيم يميلُ لتجنّب الإقدام على «أمور غبية».
(جيفري جولدبرج) في مجلة «ذي أتلانتك» بعد لقاء الرئيس أوباما آذار 2016؛ أظهر أوباما واثقاً بأنه على الجانب الصحيح من التاريخ. يقول أوباما أنا فخور جداً بهذه اللحظة التي قررت فيها ألا أضرب سورية.
أوباما سعيد بالصفقة الدبلوماسية للاتفاق النووي الإيراني، وبالانفتاح على كوبا، والتمحور نحو آسيا.
أوباما يرى خطراً حقيقياً وقائماً في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن التي يغلب عليها اعتبار التدخل العسكري الخيار المقرر سلفاً.
أوباما يُذكّر برأي ( أيزنهاور) عن الحرب باعتبارها «الحماقة الغبية والأكثر مأسوية» التي يرتكبها الجنس البشري. لقد قاوم أوباما بحزم ما كان يدعو إليه سلفه ج. بوش (الإغراء بالحرب…) وجهة نظر أوباما أنّ تراجُع الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان كان دليلاً كافياً على حدود القوة العسكرية. خسارة الحروب ألحقت الضرر بصدقية أميركا أكثر من اختيار عدم الدخول فيها برغم كل ما صرح به أوباما في السنة الأخيرة من ولايته، صادقاً أم لا)، في إطار ما يسمى الديمقراطية الغربية فإن هناك أصداءً لاتجاهات قد يكون من الغباء تجاهلها؛ على جانبي المحيط الأطلسي أفقدت الناس الثقة بمؤسساتهم العامة، وأيضاً أفقدت الثقة بجيرانهم. التعاون مُهترئ والحدود المفتوحة تثير الشك… الموضوع الأكثر إثارة للقلق هو التفاؤل المتلاشي بشأن المستقبل، قبل الانهيار المالي عام 2008. في عام 2005 تحديداً ( الآن جرينسبان) رئيس البنك المركزي الأميركي آنئذ، حذر من أن المجتمع لا يمكن أن يتساهل طويلاً مع وضع حيث معظم الناس يعانون من تراجع المستويات المعيشية، هذا ليس أمراً يمكن أن يتقبله أي مجتمع ديمقراطي.
بالنسبة لمعظم الأميركيين والأوروبيين، الوضع اليوم أسوأ مما كان في ذلك الحين… ومتوسط الدخل كان أقل في عام 2015 مما كان عليه عندما أصدر جرينسبان هذا التحذير. في ظل هذه الديمقراطية ؛ توصلت الأغلبية على كلا جانبي المحيط الأطلسي إلى الاعتقاد أن أطفالهم سيكونون أسوأ حالاً منهم( كما جاء في الفاينانشال تايمز). الموضوع الثاني المثير للقلق، في نمط الديمقراطية الغربية هذه، هو الشعور المتنامي بالظلم – الشعور بأن النخبة تعبئ جيوبها بالنقود باستمرار… تراجع مستمر في حصة قطاع العمل من الدخل القومي، برغم الانتعاش النسبي للاقتصاد الأميركي، علماً أن عام 2015 شهد الزيادة الأكبر في عدم المساواة في الأجور الأميركية منذ نهاية الكساد العظيم.
الأميركي العادي ليس لديه اليوم فرص لتحسين دخله أفضل مما كانت عليه عندما تسلم الرئيس أوباما المنصب. في العام الماضي قال أوباما إن «سلالم الفرص» اختفت بالنسبة لكثير من الأميركيين… لكنه لم يحقق شيئاً.
الموضوع الثالث هو ارتفاع ثقافة العدمية، حيث يتم تجاهل مخاوف الناس – والأسوأ، أنه يتم التقليل من أهميتها… إذا غضب الناخبون تفتحت أبواب الجحيم ( كما جاء في الفاينانشال تايمز آذار 2016). من السهل السخرية من أمثال المرشح الجمهوري الأوفر حظاً، دونالد ترامب….
اللغز ليس فقط أن مثل هذه الشخصيات تجد جمهوراً، ولكن أنها كيف تستمر في ظل نمط الديمقراطية هذه.
في المقابلة نفسها، اشتكى أوباما من «المستفيدين الانتهازيين» بين حلفاء أميركا، أوباما انتقد المعايير التي تطبقها السعودية، وتصدير الفكر التكفيري…. قال الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد أوباما بانتقاده لأصدقائه أشبه بمن ( يكتشف آراء زوجته بعد عمر طويل من
العلاقة) ويضيف (أوباما وجه لكمات غاضبة إلى أصدقائه)، وانتقادات أخرى ليس فقط للسعودية، وإنما لأصدقائه الآخرين بريطانيا، تركيا، وإسرائيل.
كلمات أوباما الواقعية أثارت الغضب في أميركا وعواصم دول حليفة… ما قاله أوباما لا يختلف كثيراً عما يجادل ترامب بشأنه على طريقته الخاصة. لقد تعب الأميركيون من الدفع مقابل «باكس أميركانا»؛ السلام على الطريقة الأميركية، الأشهر المقبلة تعتبر بمنزلة اختبار. في حزيران (يونيو)، ستصوت المملكة المتحدة بطريقتها الديمقراطية على ما إذا كانت ستغادر الاتحاد الأوروبي.
بحلول ذلك الوقت، سنعرف أيضاً خطوط المعركة بالنسبة للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. كل الاحتمالات تقول ستكون هيلاري مقابل ترامب. الديمقراطية الغربية تخضع للتجربة. والعالم يراقب بشغف…. في أوروبا، كما في الولايات المتحدة، ومع تباين وتنوع ألوان الاتجاهات في هذه الأنماط من الديمقراطية الغربية… أخذت السياسة منعطفاً شعبوياً وغير متوقع. الأزمة المالية وتداعياتها قوّضت الثقة بحُكم النخبة. الهجرة والخوف من الإرهاب المتصاعد الذي كان لبعض آليات الديمقراطية الغربية دوراً مهماً في نموه… وربما تكون صراحة الرئيس أوباما في السنة الأخيرة من ولايته نوعا من المصالحة مع الذات، واعترافا بعدم النجاح. كل ذلك… زاد من إغراء محاولة سحب الجسر المتحرّك، والدفاع عن المصالح في الخارج عن طريق تشجيع الحروب بالوكالة بواسطة الحلفاء التابعين…، والتراجع وراء الحدود الوطنية… إنها الديمقراطية الغربية أمام اختبار إجهاد صعب…