من دفتر الوطن

مجرمون أتقياء

| حسن م. يوسف

ليس شيئاً جديداً أن يكون المرء متديناً ومجرماً كالدواعش، فهم لا يختلفون كثيراً عن الفرنجة الذين غزوا بلادنا باسم الدين وقاموا في طريقهم إلى بيت المقدس بتدمير القسطنطينية التي كانت أجمل مدينة مسيحية على وجه الأرض(!) ثم قاموا عقب دخولهم القدس بذبح سكانها العرب دون تمييز بين المسيحيين والمسلمين. وهذا ما دفع الفيلسوف الفرنسي باول أولباخ لأن يقول: «الحملة الصليبية هي حرب مقدسة نظمها الباباوات كي يحرروا أوروبا من الأوغاد المتدينين الذين تابعوا اقتراف جرائم جديدة في بلدان أخرى طالبين من السماء أن تغفر لهم الجرائم التي ارتكبوها في بلدانهم الأصلية».
وقد سبق الصليبيون الدواعش في أكل لحوم البشر فقد ذكر المؤرخ الإخباري رودولف أوفكين الذي كان أحد المقاتلين الصليبيين بأن رفاقه في السلاح قاموا: «في مدينة المعرة السورية بإدخال الأسياخ في الأطفال ثم شووهم وأكلوهم».
وعندما توجه الأوزبكي تيمور لنك نحو دمشق في كانون الأول 1400م جاء سلطان مصر المملوكي لنجدتها وقبل نشوب المعركة بيوم واحد علم السلطان أن عرشه في خطر فانسحب مع جيشه تحت جنح الظلام وترك دمشق تواجه تيمور لنك بمفردها.
في اليوم التالي هاجم تيمور لنك المدينة «فتصدى له عوام دمشق وغلمانها، ومن بقي فيها من المماليك وقاتلوه بضراوة. ‏«وبينما كانت الحرب على أشدها» كان تيمور لنك يزور أضرحة آل البيت في مقبرة باب الصغير ويناظر علماء دمشق، ويأمر ببناء قبتين على ضريحي أم سلمة وأم حبيبة رضي اللـه عنهما». لاحظوا كم هو تقي وورع!
تقول كتب التاريخ إن«43 رجلاً معظمهم من الأحداث» تحصنوا في القلعة وصمدوا زهاء شهرين في مواجهة تيمور لنك وجنوده، «ولما أعياهم الحال وكثرة الجراح وانعدام الأمل لم يجدوا بداً من طلب الأمان، فأمنهم تيمور لنك، ونزلوا إليه يوم الجمعة 8 آذار 1401م/ وكان أول ما فعله أن هدم القلعة وسواها بالأرض».
إثر سقوط القلعة وزع تيمور لنك أحياء المدينة على أمرائه، كما ذكر أحد المؤرخين: «فسار كل منهم إلى الحارة التي أقطعت له، وبعد أن أتى الأمراء على المدينة ولم تعد لهم بها رغبة، أصدر تيمور لنك أمره للجنود بالنهب العام، فدخلوا المدينة يوم الأربعاء 16 آذار 1401م/ وبأيديهم السيوف مشهورة، فقاموا بما قاموا به، ثم أضرموا النار في المنازل، وكان يوماً شديد الريح، فعم الحريق المدينة بأسرها، واستمرت النار مندلعة مدة ثلاثة أيام بلياليها، وأتت النار على الجامع الأموي فأزالت النار محاسنه ولم يبق منه إلا جدره (جدرانه) وقد تفطر منها الرخام الذي كان يغطيها».
وبعد أن لم يبق من دمشق غير الأطلال، غادر التقي تيمور لنك دمشق يوم السبت 19 آذار 1401م بعد أن هدم القصر الأبلق الذي أقام فيه طوال فترة وجوده في المدينة. ‏
وقد لفت نظري في العديد من كتب المؤرخين العرب القدماء أن أحدهم يدبج صفحات في وصف الفظائع التي ارتكبها هذا الحاكم أو ذاك، ثم ينهي حديثه بقوله: «وكان مؤمناً تقياً ورعاً»! وهم يسوّغون للسلطان سليم الأول، مثلاً، قيامه بالفتك بجميع أفراد عائلته كلهم، «لكي يثبت حكمه»! وفي إسبانيا كان كهنة محاكم التفتيش يحرقون المسلمين واليهود الذين أجبروا على اعتناق الدين المسيحي لمجرد الشك بإيمانهم، وقد عرف عن القس «توماس دي تركيمادا»، رئيس هيئة التفتيش الملقب بالمفتش العظيم أنه كان يعدم واحدًا على الأقل من كل عشرة أشخاص يمثلون أمام محكمته وكان ذلك يتم بأسلوب همجي خجلت منه الكنيسة الكاثوليكية واعتذرت عنه للعالم… نعم ليست ممارسة الهمجية باسم الدين شيئاً جديداً، وهي مرشحة للاستمرار ما لم يكف البشر عن استخدام الدين كعلاقة أفقية تبرر تسلط بعضهم على بعض، والعودة إلى جوهر الدين كعلاقة عمودية بين المخلوق والخالق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن