سورية

بعد أن عينت مبعوثاً خاصاً للسلام إلى سورية … بكين تريد مقعداً على طاولة النظام الشرق الأوسطي المتشكل

| أنس وهيب الكردي

توحي أحدث نقلة أجرتها الصين بأن الأزمة السورية باتت على سكة حل لا عودة عنه؛ ففي خطوة تؤكد عزوفها عن سياسة النأي بالنفس عن شؤون الشرق الأوسط، عينت بكين مبعوثاً خاصاً للسلام إلى سورية.
أرادت الحكومة الصينية لهذا التعيين أن يكون إشارة إلى جميع الأطراف الدولية (بالأخص الولايات المتحدة وروسيا)، توضح عزمها على المشاركة في الحصيلة النهائية للحل السوري. كما بعثت بكين رسالة للقوى الشرق الأوسطية، فحواها: ضرورة احترام نصائح الصين «الحكيمة» لدى تسوية أزمات المنطقة. بالنسبة للصين، ما بات على المحك في القضية السورية، هو مسألة جوهرية، لا تتعلق فقط بشكل النظام الإقليمي المقبل، توازناته وأدواره، بل أيضاً بتوازنات القوى العالمية، والنظام الدولي المتشكل.
فعلى الرقعة الآوراسية، تدور صراعات دولية وإقليمية في أربعة مسارح جيوسياسية. شرق آسيا، وسط آسيا، الشرق الأوسط وشرق أوروبا. تتركز تلك الصراعات في أربع مناطق أو دول، هي على التوالي: كوريا وبحر الصين الجنوبي، أفغانستان، الهلال الخصيب، أوكرانيا. وتوجه نقلات روسيا والولايات المتحدة إستراتيجية تربط بين هذه المسارح. فالانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سورية مرتبط بالوضع في أوكرانيا وأفغانستان، وبالأخص الأخيرة التي سيكون عام 2017 عاماً مصيرياً في تقرير مستقبلها خلال النصف الأول من القرن الحالي.
ولطالما انخرطت الصين كفاعل جيو إستراتيجي، في الأزمات القريبة من حدودها: كوريا، بحر الصين الجنوبي وأفغانستان، مفضلةً في الوقت عينه البقاء على مسافة من أي أزمة بعيدة. لكن، لم يعد الأمر كذلك في الوقت الراهن. مبتعدةً عن نهجها التقليدي في البقاء على هامش السياسات العالمية، والمناطق المتأزمة، كشفت بكين منذ مطلع عام 2016، عن اهتمام بمنطقتي الشرق الأوسط وشرق أوروبا؛ فمن السياسة العربية الجديدة، التي أعلنتها وزارة الخارجية الصينية، إلى جولة الرئيس الصيني شي جينبينغ الشرق أوسطية على السعودية ومصر وإيران في شهر كانون الثاني الماضي، إلى زيارته أواخر شهر آذار الماضي إلى العاصمة التشيكية براغ؛ إشارات تدل على تحول الحكومة الصينية إلى التعامل بفاعلية مع الديناميكيات الشرق أوسطية والأوروبية.
يعكس التحول الصيني المستجد، الصورة الجديدة لتوزع القوة على الصعيد العالمي، كما يؤشر إلى انتهاج بكين سياسة عالمية الأبعاد تتناسب مع قوتها المتنامية، والأوضاع الإستراتيجية. هذا التحول يأتي في وقت قررت واشنطن وموسكو اجتراح تسوية نهائية للأزمة السورية (والأزمة الأوكرانية؟) وإعادة ترتيب الشرق الأوسط وفقاً لمصالحهما. عمل الكرملين والبيت الأبيض على استبعاد القوى الدولية والإقليمية الأخرى عن مفاوضات التسوية السورية، أو ببساطة، عاملا تلك القوى كأدوات تصديق على ما يتوصلا إليه من اتفاقات وتفاهمات.
وبينما يبدو أن التسوية الشرق أوسطية أخذة بالتبلور، وفي قلبها المسألة السورية، بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، عززت الصين دورها في الجهود الدبلوماسية حول سورية، على الأقل في البداية. من هنا، كانت دعوتها أواخر عام 2015 الماضي، الحكومة السورية والمعارضة إلى محادثات سلام على الأرض الصينية. أظهرت الحكومة الصينية بدعوتها تلك اهتمامها بأن يوقع اتفاق التسوية الخاص بحل الأزمة السورية، لا في سويسرا (كما تفضل الأمم المتحدة)، بل في الصين.
ما تبغيه بكين يتمثل في: المشاركة بالقسمة الجديدة وعدم ترك الساحة لواشنطن وموسكو وحدهما كي تستفردا بتقرير مصير الشرق الأوسط، وأيضاً، المساهمة في ضبط توازنات هذه المنطقة «السابحة على بحري النفط والإسلام»، سواء الدولية أو الإقليمية. بكلمات أبسط، لم تعد بكين تقبل أن تسوى مشاكل الشرق الأوسط من دون أخذ مصالحها بالحسبان. وتعيين مبعوث صيني للسلام في سورية، هو أحدث أداة، بين سلسلة أدوات ستتلاحق تباعاً خلال العام الحالي، هدفها تأمين مقعد لبكين على طاولة النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط. تدرك الصين أن هذا النظام المتشكل سيكون له تداعيات بارزة على الساحات الجيوسياسية القريبة من الصين: بحر الصين الجنوبي، كوريا وأفغانستان، وخصوصاً أن الأخيرة تعيش مخاض ما بعد الانسحاب الأميركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن