ثقافة وفن

في ذكرى رحيله أبو عنتر بدأ من مسرح محمود جبر … ناجي جبر… عفويّة أبو عنتر كرسته كركتراً شعبيّاً

| عامر فؤاد عامر

ترك بصمته في ذاكرة الجمهور بمحبّة، من خلال اجتهاده وزملائه في ارتياد ساحة الفنّ أوّلاً، وتمهيد سبل وطرق الوصول إليها، فكان بجدارة من أبناء الرعيل الأوّل، عمل في المسرح في البداية، فكان في رصيده عدد منها، بين فرقة «محمود جبر» مثل: «صياد وصادوني»، و«طارت البركة»، و«سراديب الضائعين» وفي فرق مسرحيّة أخرى فيما بعد توافرت لديه المقدرة ليرسم ملامح شخصيّة «أبو عنتر» الكوميديّة التي عرفها الجمهور وأحبّها بين قوّتها وقسوّتها وملامح الرجولة التي اندمجت بملامح الفنان « ناجي جبر» ليكرسها فيما بعد في عدّة أعمال تلفزيونيّة، وسينمائيّة، وإذاعيّة، فكان أحد الشخصيّات التي رافقت الفنان «دريد لحام» في شخصيّة «غوار الطوشة»، والفنان «نهاد قلعي» وشخصيّة «حسني البورزان»، وبذلك كانت هذه المحطة الفنيّة الأبرز في حياته أي شخصيّة «أبو عنتر» التي أخذ بسببها شهرته وصيته الفني، إلا أنه قدّم نفسه بنجاح فيما بعدة بأعمال كثيرة، منها أعمال البيئة الشاميّة، مثل «أيام شاميّة» عام 1992، و«أهل الراية» 2008.

تعلّم في المسرح
ولد الفنان «ناجي جبر» في تاريخ 26 تشرين الأول عام 1940 في مدينة شهبا جنوب سورية، وكان له نصيب في التجربة الفنيّة من خلال شقيقه الأكبر الفنان «محمود جبر» الذي ترك رصيداً لا يستهان به من الأعمال المسرحيّة، فبدأ مسيرته الفنيّة مع نهاية الستينيات معه، ويمكن القول إنه البوابة الحقيقيّة للفنان «ناجي جبر» ولاسيما أن مبادئ التمثيل كسبها هنا على هذه الخشبة قبل الانطلاق بأي خطوة أو تجربة أخرى، فقدّم مع شقيقه عدداً من المسرحيّات، وإضافة للتي ذكرناها في المقدمة كانت مسرحيّات: «النهب» و«عشّك يا بلبل»، وغيرها. ومن المسرحيّات التي شارك فيها أيضاً: مسرحية « حفلة سمر من أجل 5 حزيران» عام 1970 و«مغامرة رأس المملوك جابر» عام 1972.

ومضات وجدانيّة
آمن بالمسرح كثيراً وكان متيقناً بأن لغة المسرح هي الباقية والمؤثرة في الوجدان، ولو حدث أن مرّت بحالة من الركود، ومن أقواله عن المسرح وإيمانه به اقتطفنا من أحد حواراته الفنيّة السابقة: «… المسرح إشارات وومضاتٌ وجدانيّة، وهو مدرسة كبيرة، ومنبر شريف، والمواطن اليوم؛ وفي ظل هذه التداعيات، بحاجةٍ إلى ابتسامة من دون استجداء، وعلينا أن نبتعد عن البذاءة والتهريج والتسويف، نريد أن تكون الابتسامة في مكانها الطبيعي، ولا نريد أن ننتزع الابتسامة المغلّفة بالذهب…».

البداية… أبو عنتر
اشتُهر باسم «أبو عنتر» عندما شارك مع الفنان «دريد لحام» في مسلسل «صح النوم» في العام 1974، وكان لهذه الشخصيّة طابعها القوي، الذي اتسم بمحبّة الجمهور لها واستقبالها بترحاب سواء في المسلسلات التي تلت «صح النوم» مثل «وادي المسك»، أو في المسرحيّات مثل «يا خرابي من حليب أبو عنتر»، والأعمال السينمائيّة مثل «أبو عنتر بوند»، والأعمال الإذاعيّة مثل «يوميّات أبو عنتر»، وعندما سُئل عن شخصيّة «أبو عنتر» التي تجسّد صفات القبضاي كانت إجابته: «القبضاي بمعناها الحقيقي وبالتعبير الشعبي الدمشقي تعني المُحبّ للآخرين والذي لا يصمت عن حقه أبداً، وليس القبضاي شخص مفتعل للمشاكل، وبالنهاية أنا ممثل أقدّم كلّ الأدوار ولا ألعب فقط دوراً شعبيّاً». من الملاحظ هنا أيضاً أن كثر هم الممثلون الذين حاولوا تقليد هذه الشخصيّة أو ما يشابهها ضمن فلك «القبضاي» إلا أنها لم تظهر بصد وعفويّة شخصيّة «أبو عنتر» التي برع فيها الفنان القدير «ناجي جبر» من خلال تطويرها بصفات شكلانيّة كالزيّ الدمشقي الذي اختاره الشخصّية وأخرى كلاميّة مثل «باطل»، و«مالها فكاهة»، وغيرها من الكلمات، ويبدو أن هذا الكاركتر قد عاش أكثر على الرغم من تراجع حضوره في بعض الأعمال التي كان من المتوقع بالنسبة للمتلقي تقبلها أكثر كما في «ملح وسكر» بالتالي كانت حاضرة بقوّة ترافق محبّة المشاهد في أعمال مثل «غوار الطوشة» و«عودة غوار» فيما بعد.

جولة في التلفزيون
حصيلته في التلفزيون جاءت عبر أكثر من 50 مسلسلاً نذكر منها: مسلسل «ملح وسكر» عام 1973 ومسلسل «وين الغلط» 1979 والتي ظهر فيهما من خلال شخصيّة «أبو عنتر» إضافة إلى «صح النوم »، وفيما بعد جاء بمسلسلي «عودة غوار» عام 1999 و«يوميّات أبو عنتر» في العام 1996، أمّا باقي المسلسلات فجاءت بشخصيّات متنوّعة كالعاشق، ورجل الأعمال، والمجرم، وضابط الأمن وغيرها مثل مسلسلات: «أولاد بلدي» في العام 1971، و«الرهان» في العام نفسه أيضاً، وصولاً إلى مسلسلات أكثر حداثة مثل «عربيّات» و«أبو المفهوميّة» في العام 2003، و«عالمكشوف» في العام 2004، و«غزلان في غابة الذئاب» عام 2006، و«رجل الانقلابات»، و«أسير الانتقام» في العام 2007.

في الأعمال البيئيّة
ما يميّز تجربته في التلفزيون هو الدور الذي جسّده في مسلسل «أيام شاميّة» للمخرج «بسام الملا» فكان «سيف» البطل، والمقاوم، ضدّ الاحتلال العثماني، ونجح في منح هذه الشخصيّة أبعادها في الرجولة، والتضحيّة، وتحقيق النصر، على الرغم من قسوة الظروف، وتفوق العثماني في أسلحته، ومن بعدها يمكن القول إنه كسر حدود شخصيّة «أبو عنتر» التي لازمته فترة طويلة في عدد من المسلسلات، والأفلام السينمائيّة، التي سنذكرها أيضاً، وأيضاً لا بدّ من ذكر المسلسلات الشاميّة التي شارك فيها لاحقاً مثل: «الخوالي» للمخرج «بسام الملا» في العام 2000 والمسلسل الكوميدي «حارة الطنابر» في العام نفسه، ومسلسلات «أهل الراية» للمخرج «علاء الدين كوكش»، و«أولاد القيمريّة» من إخراج «سيف الدين سبيعي»، و«الحصرم الشامي» أيضاً لـ«سيف سبيعي» في الجزء الثاني في العام 2008 ونهايةً بمسلسل «بيت جدّي» للمخرج «رشاد كوكش» فكان ختام أعماله الفنيّة قبل أن توافيه المنيّة.

مع نجوم السينما
تبلغ حصيلة أعماله في السينما أكثر من ثلاثين فيلماً سينمائياً توزّع إنتاجها وتصويرها بين سورية ومصر ولبنان، ومن الملاحظ أن تجربة هذا الفنان كانت كبيرة من خلال الاشتراك بالأعمال العربية فعاصر وشارك الفنانة «شادية» في أعمال جمعتهما و«نجاة الصغيرة» و«ميرفت أمين»، و«محمود عبد العزيز»، و«يسرا»، وأسماء لامعة من الوطن العربي، ومن أفلامه بالمجمل نذكر: « أبو عنتر بوند »، « عودة حميدو» في العام 1971، و«غوار جيمس بوند» في العام 1974، و«الجائزة الكبرى» في 1974، و«الاستعراض الكبير» 1975، و«العندليب» 1975، و«غراميّات خاصّة» والتي ظهر فيها جميعها في شخصيّة «أبو عنتر» أيضاً.

سينما بين المحليّة والعربيّة
أمّا باقي الأفلام فكانت شخصيّاتها التي جسدها متنوعة مثل: فيلم «غزلان» 1969، و«السكين» و«جسر الأشرار» في العام 1971، و«هاوي مشاكل» وفاتنة الصحراء 1974، فيلم «شقّة ومليون مفتاح» وفيلم «مقلب حبّ» 1972، و«الحسناء وقاهر الفضاء»، و«صح النوم» 1975 و«صيد الرجال»، و«أموت وأحبّك مرتين» الذي نال شهرة ومتابعة جماهيرية كبيرة 1976، و«عشاق على الطريق» عام 1977، وفيلم «شيطان الجزيرة» 1978، وفيلم «شباب حارة العناتر» 1980، و«امبراطورية غوار» 1982، «أحلام المدينة» 1984، فيلم «باسمة بين الدموع» 1986، وفيلم «زواج على الطريقة المحلية» 1987، وفيلم «سواقة التاكسي» عام 1989، وفيلم «صعود المطر» 1995.

وأيضاً
يذكر أن الفنان القدير «ناجي جبر» من مؤسسي نقابة الفنانين في سورية، ينتمي لأسرته الفنيّة المؤلفة من شقيقيه الفنان «محمود جبر» والفنان «هيثم جبر» وهو عمّ الفنانتين «ليلى جبر» و«مرح جبر» واليوم يسعى ابنه الفنان «مضر جبر» لتقديم نفسه في الوسط الفنّي ضمن تجاربه المتاحة. توفي الفنان «ناجي جبر» في دمشق في 30 آذار من العام 2009، وذلك إثر إصابته بمرض السرطان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن