من دفتر الوطن

الهروب من الكابوس!

| عصام داري 

أهرب إلى الحلم من واقع صار كابوساً يؤرقني ويسحقني بين كفتي رحى، وأحياناً يكون الحلم أحلى من الحقيقة، لكنه يبقى حلماً ومتعته آنية تزول سريعاً مع أول وخزة إبرة من واقعنا البائس.
صارت الأحلام ذلك الملجأ الذي نقصده عندما تضيق الدنيا بنا، وتُغلق في وجوهنا سبل، ندخل بملء إرادتنا إلى حلم وردي سحرنا ويسكرنا وينقلنا إلى عوالم من الخيال والفرح، لا يهم ماذا تحكي أحلامنا، المهم أننا نجد تلك الجنية الساحرة التي هي كل الحلم واليقظة معاً، وهي إكسير الحياة.
نشعر برغبة جامحة في الحلم الذي ينتشلنا ولو لثوانِ معدودات مما نحن غارقين فيه، وأحياناً نصنع أحلامنا من نتف أفكار مستحيلة، نتخيلها قريبة مهما بدت أفكارنا غريبة، نحلم وسط ضجيج الحياة، في الشوارع المزدحمة، وفي المكاتب التي تمتهن الروتين القاتل، وفي المصانع التي صار دوران آلاتها إعلاناً لخسارات جديدة، وفي الحدائق العامة التي صارت شبه صحارى تسكنها الأشواك والصبار.
لكن الشيء الجميل الذي يعوض خيباتنا أننا وجدنا – ولو بالحلم فقط – تلك الجنية الساحرة التي كانت الجائزة الكبرى التي حصلنا عليها في مشاوير الحياة على هذا الكوكب، ومازال في الجعبة بقية.
أظن أنني كتبت منذ مدة كلاماً له معنى قلت فيه: لا تقتربوا من الظلام، فأنتم مهددون بالعيش في العتمة، ولا تقترفوا خطيئة الكذب، فأنتم ذاهبون في طريق الضلالة والأكاذيب والضياع في زمن الكوابيس والتوحش والغيلان، واغتيال الفراشات والعصافير وسحق الورود، يصبح الهرب إلى الحلم طريقاً للخلاص من هذه البشاعة التي تغتال الجمال على مدار الساعة، مع أنه خلاص آني يشبه حبة المخدر التي لها مفعول مؤقت وعندما نصحو يعود الألم ليطحننا من جديد.
لكننا بالحلم نداوي بعض الجراح، وبالعزيمة والإصرار والتفاؤل، نداوي بقية الجراح، ونسجل اسمنا في جدول المنتصرين على ضعفنا نفوسنا، وجبننا وتقصيرنا في حق أنفسنا.
الغريب أن الكثير منا يستطيع تسطير الصفحات عن التفاؤل والأمل والفرح والحب، لكن الصعوبة في التطبيق على أرض الواقع، فالتفاؤل والحب والأمل ليست كلمات استعرناها من قواميس اللغة، بل هي ممارسات ومواقف تسندها أفعال.
لنصنع معاً الأمل، ونفتح نوافذنا للهواء والحرية والشمس والنور، وتعالوا نترك لسفننا الجامحة حرية اختيار المسارات والتيارات، فقد نخرج من جحيم الموت والعنف، ونتخلص من كوابيسنا التي طالت واستطالت حتى كادت تقضي على كل الأحلام، وربما نجد الدروب السالكة نحو جنة الحياة المسحورة التي تليق بنا ليس كعابرين للحياة، بل كفاعلين فيها وأصحاب رسالة عنوانها الحب، وتفرعاتها النبل والخير والرقي.
لنحتفي معاً مع كل إشراقة شمس بولادة يوم من عمرنا على هذه الأرض الآيلة إلى زوال مهما طال الزمن، ولنبدأ من جديد رحلة خرافية نحو ممالك النور والضوء، ونبصم في هذه الحياة كي نسجل أسماءنا وأننا مررنا ذات يوم من هذه الدروب، وأشعلنا الشموع، وأسهمنا في دحر الكوابيس وتمجيد الحلم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن