ثقافة وفن

في الذاكرة البصرية..

| د. اسكندر لوقا 

ذات يوم كرست وسائل الإعلام في أرجاء العالم كافة، كل اهتمامها لمعرفة مصير السفينة الفرنسية «لوريان» حيث أغرقت على مسافة غير بعيدة شرق مدينة الإسكندرية في مياه أبي قير وبقي مصيرها مجهولا. ولم يكن اهتمام وسائل الإعلام بهذا الحدث اعتياديا، لأن هذه السفينة كانت قيادية في أسطول نابليون بونابرت قبل غرقها بنتيجة المعركة الفاصلة التي وقعت بين قوات نابوليون من جهة، وقوات الأميرال نيلسون قائد الأسطول البريطاني في الأول من آب من عام 1798 من جهة أخرى.
ومع أن جهوداً كبيرة بذلت بحثا عن حطام السفينة، استجابة لرغبة الأميرال نيلسون أن يجعلها عبرة سواء للقيادات الفرنسية في ذلك الحين أو لسواها، فإن شيئاً مما أراده لم يتحقق. بقيت السفينة في مياه أبي قير، وربما إلى وقتنا هذا.
وفي السياق المتصل نقرأ أن نابليون، لم ينس ما لحق به على يد خصمه الأميرال نيلسون حتى آخر حياته، وأنه كثيراً ما كان يروي حكايات عن أبطال سفينته «لوريان» الذين رفضوا مغادرة السفينة وظلوا واقفين على متنها وهم يحيون علم بلادهم إلى أن غمرتهم المياه. كان نابليون يعتز بوقفة جنوده، وما زال إلى يومنا هذا يحتل حيّزا واسعا في ذاكرة الشعب الفرنسي.
لقد جعل نابوليون من فرنسا، في وقت من الأوقات، بلداً يستحق التقدير بين الأمم. ولكنه، في الوقت عينه، فتح شهية العديد من الدول لتذوق الدم الفرنسي، وخصوصاً ذلك الدم الذي سفح على أبواب مدينة موسكو ساعة عودة جيشه مهزوما أمام بسالة القوات الروسية دفاعاً عن بلدهم.
مع هذا يبقى نابليون رمزاً ورمزاً غامضاً، ومن هنا يأتي الاهتمام بشخصه عموماً بين حين وآخر، بدءا ببطولاته وعلاقاته بعشيقاته وبزوجه جوزفين وصولاً إلى مصير سفينة القيادة لوريان. وفوق كل ذلك سيبقى السؤال الأهم حول معرفة سبب وفاته هل كانت طبيعية أم بالزرنيخ؟
في اعتقادنا أن الشعب الفرنسي الحالي، لا يمكن أن تمحى من ذاكرته البصرية صورة نابليون، كما صورة ديغول على سبيل المثال. وعلى الجانب الآخر سنبقى نحن أبناء سورية، كما الأجيال الآتية من أبنائها، سنبقى نتذكر مواقف الرؤساء المعاصرين من شيراك إلى ساركوزي إلى هولاند، كيف شوهوا سمعة فرنسا في منطقتنا، بغض النظر عمن يتجاهل هذه الحقيقة. ولن يرحم التاريخ أحدا ممن كان دأبه أن يعتدي علينا، بحجة تعليمنا أصول الحرية والديمقراطية وسوى ذلك من حجج ثبت أنها واهية مسندها غريزة قتل الإنسان في الإنسان لا أكثر.
يقول الأديب الفرنسي ليون بلوي «1860- 1910» ما ينطبق على قادة فرنسا اليوم «أن أكثر حالات الجنون تدميرا، أن يكون صاحبها إنسانا يعتقد أنه ليس أحمق». فهل ظلمناهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن