مسائل الغطاء الجوي التركي
مازن بلال:
أراد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، تحديد سياق لأي فصيل سوري مسلح جديد، فحديثه عن غطاء جوي لم يعد ضمن مسألة «المناطق الآمنة»، كما أن تصريحاته حول اتفاق «من حيث المبدأ» مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص يدخل في إطار عملية فرز للمجموعات المسلحة، فهو إعادة توزيع لـ«الشرعية» بغض النظر عن قدرة أنقرة في تحقيق هذا الدعم، وتبدو السيناريوهات القادمة للأزمة السورية تقف عند نقطة جديدة تحاول عبرها القوة الإقليمية تصفية المراحل السابقة، والقفز على النتائج التي خلفتها فوضى التسليح وتداخل الأدوار الإقليمية، فما أعلنه تشاووش أوغلو يبدو انقلاباً على مستوى رؤية تركية لجميع الفصائل المنتشرة على حدودها الشمالية.
عملياً فإن تركيا التي رفضت الدخول في عمليات التحالف الأميركي فوق سورية؛ تركز اليوم على نقطة أساسية تتمحور في عدم السماح بتكرار ما حدث في (عين عرب) «كوباني»، فهي لا تريد منح مساحات إضافية للقوى الكردية، وذلك في ضوء تجربة اضطرت فيها إلى خوض مواجهة دبلوماسية انتهت بالسماح لمجموعات كردية صغيرة عبور أراضيها والدخول إلى مناطق المعارك في «كوباني»، ورغم رمزية هذه المشاركة لكنها ربطت بين إقليم كردستان العراق والشمال السوري تحت غطاء تحالف غربي.
من جانب آخر فإن تأمين غطاء جوي تركي بالدرجة الأولى سيتقاطع مع مسألتين أساسيتين:
الأولى إعادة مهام «التحالف الغربي»، لأن أنقرة تريد غطاء جوياً تركياً وليس تنسيقاً مع قوى التحالف، وبرغم عدم فاعلية الضربات الأميركية فوق العراق وسورية، لكن هذا الموضوع خضع لتشاور دولي، ومن الصعب إعادة رسم مهام التحالف من دون المرور عبر موسكو وواشنطن على الأقل، إضافة للدور الإيراني الذي يملك رؤيته أيضاً بخصوص الأزمة السورية.
الثاني التعامل بشكل مختلف مع توزع القوى السورية الكردية في الشمال، فهي استمالت إلى جانبها إقليم كردستان العراق، لكنها في المقابل تحتاج إلى دور آخر يحد من احتمال تعامل واشنطن مع الفصائل السورية الكردية.
ما تريده أنقرة اليوم، وفي ضوء تمدد داعش، إعادة ضبط حدودها الجنوبية، فمسألة الغطاء الجوي، ليس لديها أجندة خاصة بحل الأزمة بقدر تعزيز دورها في تحريك المجموعات المسلحة، فهي تملك «الجهاز السياسي» للمعارضة من خلال «الائتلاف المعارض»، وتريد في الوقت نفسه «احتكار» أي جناح عسكري، فلم يعد يكفي بالنسبة لها التنسيق مع حلفائها الإقليميين، بل تريد إعطاء نفسها دوراً في تحديد «شرعية» من يقاتل على الأرض؛ فهل سيصطدم طموحها مع «الرياض» أو «الدوحة»؟
لا تنظر تركيا بقلق إلى الدور القطري، فهو لن يكون منافسا إقليميا قويا، وتعرف أن الطريق للتحكم بالمجموعات المسلحة مازال طويلا، لكنها تؤسس لهذه المرحلة التي ستمتد لأكثر من عام حتى يظهر ما تسميه «القوة المعتدلة»، وفي المقابل فإنها تراهن على عدم قدرة الرياض على التعامل مع ملفين معقدين: اليمن وسورية، وإمكانية انكفاء السعودية نحو اليمن لكونه الحل الذي تراه تركيا قريباً، وتبني عليه «أجندة» خاصة من أجل «إدارة» الحرب على سورية.