ملاحظات على قواعد لعبة (الحرب والردع) في المنطقة والعالم
| تحسين الحلبي
حين لا تكون الدول في حالة الحرب المباشرة بعضها ضد بعضٍ فهذا لا يعني أنها لا تكون في حالة حرب من نوع آخر وهي حالة «الانشغال في حشد وتعبئة القوات العسكرية ونشرها» استعداداً لتحقيق واحد من هدفين: إما شن الحرب الهجومية باسم الدفاع وإما زيادة قدرة الردع من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة من دون مجابهة مباشرة عن طريق الابتزاز وفرض التنازلات. ويبدو أن قواعد هذه اللعبة بدأت تنتقل وتسيطر على العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في ساحة أوروبا، فقد انتقد السفير الروسي في مجلس حلف الأطلسي خططاً تبنتها واشنطن لنشر لواء من الدروع مع القوات في مناطق أوروبا الشرقية القريبة من حدود روسيا، واعتبر السفير الروسي هذه الإجراءات «تهديداً لروسيا وخرقاً للاتفاق الموقع بين روسيا ودول الأطلسي عام 1997»، الذي ينص على التنسيق بين الطرفين في مثل هذه الإجراءات لحماية الأمن الأوروبي، لكن واشنطن تبرر إجراءاتها هذه بحجة حماية دول الحلف رداً على ما قامت به روسيا في أزمة أوكرانيا والقرم وأن قراراً بهذا الشأن اتخذ عام 2014، وهذا يعني أن أوباما يلجأ إلى زيادة الضغط العسكري على حدود روسيا مع أوروبا الشرقية إما لتحقيق ردع تفرض من خلاله واشنطن شروطها للحل في أوكرانيا والقرم وإما للاستعداد للحرب المباشرة، وهذا ما يستبعده المختصون بالشؤون الأوروبية بحجة أن جميع الدول الأوروبية لا ترغب في أن تتحول ساحتها إلى حرب أميركية- روسية تعيد تدمير أوروبا التي دفعت ثمن حربين عالميتين.
وهذا ما تدركه القيادة الروسية التي تمتلك قدرة مناورة ومبادرات سلمية جادة مع دول أوروبية كثيرة وتوظفها لمنع تدهور العلاقات الأوروبية-الروسية. ومع ذلك يبدو أن واشنطن تتبنى قواعد هذه اللعبة نفسها في المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا، ففي الثاني من نيسان الجاري كشف (جون ليتمان) في الموقع الإلكتروني (أنتي وور) أن (منطقة المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا ربما تشهد قريباً جهوداً أميركية لإنشاء أكبر تجمع عسكري فيها بمشاركة دول آسيوية)، وأن أوباما (كان قد أعلن في عام 2011) عن (محور المحيط الهادي) (باسيفيك بيفوت) حين كان في أستراليا وقال لرئيس الوزراء الأسترالي إن «الانتشار العسكري الأميركي مع الحلفاء في منطقة دول المحيط الهادي الآسيوية سيبقى وسيزداد حشداً تحسباً من أي نزاع مع الصين وحلفائها، ويرى بعض المحللين في واشنطن أن السياسة الأميركية اتجهت منذ انشغال العرب ومنطقة الشرق الأوسط بالحروب الداخلية وغير الداخلية (حرب السعودية على اليمن) إلى تركيز حشودها العسكرية في منطقة المحيط الهادي وقرب بحر الصين في الفيليبين واليابان وجزرها، لأن هذه المنطقة من المحتمل أن تتحول إلى ساحة نزاعات وحرب مباشرة أميركية-صينية. ويبدو أن السياسة الأميركية اتجهت إلى دفع السعودية ودول الخليج نحو تشكيل حلف الدول العربية والإسلامية ضد اليمن و«حلف الدول الإسلامية ضد الإرهاب» لكي تقوم هذه الدول بالتعويض عن انخفاض الدور العسكري المباشر للقوات الأميركية في الشرق الأوسط ولكي يتسنى لها زيادة حشودها ودورها المباشر في المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا.
وكان نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية قد أشار إلى خشيته من انخفاض الدور العسكري الأميركي المباشر في الشرق الأوسط وأعد خطة للتعويض عنه… كما يبدو أن واشنطن هي التي دفعت السعودية ودول الخليج إلى اتخاذ زمام المبادرات العسكرية والسياسية الهجومية في أكثر من مكان وإلى تشكيل الحلفين (العربي- والإسلامي) بهدف إشغال روسيا في المنطقة، وهذا ما أدركته القيادة الروسية حين أعلنت عن تخفيض ماكينتها الجوية وعن إمكانية نشرها في ساعات عندما تتطلب الحاجة.
ولا شك في النهاية أن النتائج التي ولدتها قواعد لعبة (الحرب- والردع) الأميركية لم تنجح في الشرق الأوسط لأن محور المقاومة ازداد قوة ردع مقابل جميع حلفاء واشنطن المحليين، كما لم تنجح في أوروبا التي لا ترغب في الانغماس عميقاً في السياسات الأميركية، أما في آسيا والمحيط الهادي فالمعروف أن أكثر من ثلث البشرية تشكله الصين والهند في ظل ظروف لن تسمح بحرب عالمية نووية تدفع فيها اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا الثمن الأكبر.