تدمِير أوهام أعداء سورية في تَدمُر .. فرحة كبيرة بانتصار عظيم له دلالات مهمة ومتعددة.
| القاهرة – أ.د.محمد أشرف البيومي
منذ بداية الأزمة السورية ونحن ندرك مَنْ وراءها وما أهدافها الحقيقية. فلم نتردد لحظة واحدة للوقوف بوضوح وبقوة مع المناصرين للدولة السورية والمدافعين عنها لكونها الحصن الأخير في وجه مآرب الكيان الصهيوني والإمبريالية والرجعية العربية. لم نخدع أنفسنا بماهية الرجعية العربية ودورها المخرب والمتحالف مع أعداء الأمة العربية. فدروس التاريخ السابقة والأحداث المعاصرة وموضوعية التحليل التي تمنع اختزال الأمور في جانب واحد كانت من أهم العوامل التي منعت الانخداع والجري وراء شعارات زائفة أو مغرضة.
نعم اليوم التي تحررت فيه تدمر هو عيد لكل الوطنيين والصامدين والمقاومين وليس عيدا للمتآمرين والمنخدعين. تقفز إلى الذهن فوراً شخصية رائعة، د. خالد الأسعد، الذي دافع عن آثار تدمر ليس باعتبارها حجارة كما يظن الجهلاء وإنما هي رمز لعراقة تاريخ سورية وعظمتها عبر القرون. ضحى بحياته فأصبح بحق شهيد الإنسانية والتصق اسمه دائماً بتدمر فألف تحية لذكراه الحية والمجيدة.
نقرأ صحف اليوم الأميركية مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز فنجد تقاريرها المتطابقة لكونها من مصدر واحد. فنجدها لا تخفي شعور التململ الذي يقارب الاستياء والحيرة والارتباك في عرضها لتحرير تدمر (بالميرا)، فالعناوين في كلتا الصحيفتين تقول «سورية تدعي(تزعم) تحرير تدمر» رغم صورة القلعة التاريخية المصاحبة للتقرير التي تظهر علم سورية بنجومه الخضراء علم الجمهورية العربية المتحدة يرفرف بجوار القلعة ويرفعه أبطال من الجيش العربي السوري الذي وصفته الصحيفتان «بجيش بشار الأسد» في محاولة فجة لتغييب الشعب السوري وتفكيك المنظومة المنتصرة وهي رئيس وطني صامد وجيش شجاع وشعب مؤازر وحلفاء أوفياء.
نعم اليوم عيد سعيد ومن حقنا جميعاً أن نحتفل من دون أن نتصور أن الحرب قد انتهت ومن دون أن ننتقص انتصارات عظيمة سابقة مهدت لهذا الانتصار في تدمر الذي له دلالات مهمة في توقيته وفي أبعاده السياسية والإستراتيجية والمعنوية، نعرض باختصار بعضها:
يتزامن تحرير تدمر مع لقاءات جنيف فأشعر بالأسى وقليلاً من الشفقة نحو المعارضة المنحرفة المتورطة التي لا تملك قرارها. كم هو مخجل أن نرى مواطنين عرباً يتبنون مواقف الأعداء ويأسفون لانتصار وطنهم سورية وفي الوقت نفسه يطالبون ببلاهة تنحية الرئيس، رمز الانتصار. يبدو أننا ما زلنا بصدد مسرح اللامعقول أو تمثيلية هزلية سخيفة فتدمُر دمًرتَ بقايا أوهامهم فليس هناك سبيل إلا الإمعان في الانحراف والتمسك بتمنيات مستحيلة وافتراضات غبية مثل «تنحية بشار مفتاح السلام» وكأن الشعب السوري (الذي تزعم معارضة الرياض أنها تمثلهم) غائب تماما ولا وجود له. تبددت أوهام عديدة بدأت بلقاء رمز العدوان السفير الأميركي فورد، وأسبوع «الحماية الدولية» ورفع علم الانتداب الفرنسي وسراب جيش سورية «الحر» والتنبؤ بسقوط النظام الوشيك، والتغني بدعم أصدقائهم من الحكومات الأميركية والتركية والقطرية والسعودية والأردنية وحكومة محمد مرسي الإخوانية بمصر.
قلنا مراراً إن الوضع الميداني هو الحاكم وإنه من العبث فصل ما هو سياسي وما هو عسكري، فهو الانتصار يغير المعادلة سياسيا وعسكريا ومعنويا وإعلاميا لما لتدمر من منزلة عالمية وتاريخية معروفة. تحرير تدمر يعطي دفعة معنوية هائلة للشعب وللجيش الوطني سيكون له دور في انتصارات تالية في دير الزور والرقة وله تداعيات سلبية كبيرة على الإرهابيين وحلفائهم، كما أنه يثبت ويعمق وضع الدولة ومؤسساتها وقياداتها.
علَم الدولة السورية على قلعة تدمر له قيمة إعلامية دولية هائلة، فيجيء كاشفا للحقائق، ويذكِر الجميع أن الذي يحارب داعش والإرهاب هو الجيش السوري رغم الدعايات الكاذبة. يطرح كل هذا تساؤلا مهماً ليس في الغرب وحده بل في الدول العربية، فإذا كان الجيش السوري هو القوة الأساسية التي تحارب وتنتصر على داعش فلماذا يحارب الغرب هذا الجيش إذا كان هدفه محاربة الإرهاب؟ ولماذا لا تؤيد دول عربية هذا الجيش وهذه الحكومة؟ لا ننتقص لحظة واحدة دور الحلفاء المقاومة اللبنانية بقيادة فارسها المنتصر السيد نصر اللـه ولا دور الطيران الروسي ودعم بوتين رغم حملات التشكيك التي لا تتوقف، ولكن كما قال أخيراً ماتوزوف المحلل الروسي أنه لولا تماسك الجيش السوري وأداؤه المشرف لما نفعت المساعدات.
لا شك أن هذا الانتصار يفتح آلاف العيون والأذهان نحو الحقائق وأن الدولة السورية قوية وصامدة في وجه العدوان الآثم وأنها تدافع عن الأمة العربية كلها لاستئصال الإرهاب والدفاع عن استقلال الإرادة العربية وسيادة الوطن العربي رغما عن الحكومات المتخاذلة أو المتآمرة. نعم إن التأييد الشعبي العربي لا بد أن يتصاعد نتيجة تحرير تدمر ومع توالي الانتصارات.
سيجلب الانتصار مزيدا من الخزي لآل سعود ونظامهم ليس فقط لدورهم المشين في سورية، بل أيضاً لعدوانهم الإجرامي على شعب اليمن وعلاقاتهم التاريخية الآثمة مع أعداء الأمة العربية المتمثلة في الإمبريالية العالمية (بمكونها الأميركي والأوروبي) والصهيونية وتوابعهم العرب.
انهيار أوهام أردوغان حليف الناتو التي بدأت بفشل الإخوان المسلمين في مصر وتونس وتقلص دور تركيا فلا هي أصبحت قريبة من انضمامها للاتحاد الأوروبي، ولا هي حافظت على علاقات جيدة مع جوارها العربي.
مزيد من تخوف الكيان الصهيوني وتوتر مغتصبي فلسطين. فسورية والمقاومة يشتد عضدهما وهذه مجرد البدايات. فاستمرار الكيان الصهيوني ليس أبديا أو حتميا.
لم يصبح السعي للنصر هزلاً أو خيالاً في ذهن حالمين يتندر به البعض بل واقع أصبح ممكنا عندما تنوافر له العوامل اللازمة. حتمية هزيمة الإرهاب تقترب وإدانته تتسع وإمكانية دحره تزداد.
تبددت سخافات كثيرة على رأسها اعتبار حزب اللـه إرهابيا وأصبحت مواقف وزراء خارجية عرب مخجلة حقا لمن وافق عليها.
تعمقت مهزلة «عملية السلام» وتبدد سرابها للمخدوعين وتلاشت مصداقية قيادات فلسطينية التي سوقت منهج أوسلو وأخرى إخوانية انخرطت في انتخابات تحت رداء أوسلو والاحتلال ثم طعنت الحكومة السورية في ظهرها وارتمت في أحضان حكام قطر المتآمرين على سورية، بدلا من الوفاء لها لاحتضانها ودعمها لهم ولصمودها المبدئي.
صعدت وتعمقت حقائق مهمة أن ديمقراطية رأس المال ليست ديمقراطية وأن اختزال الديمقراطية في صندوق الانتخاب وهم وخداع كما أنه لا حرية لمواطن في وطن غير حر أو مسلوب السيادة.
برزت ضرورة ملحة وهي تصعيد الدور المحوري المصري والتراجع عن الانجرار في الفلك السعودي. رغم أن مساهمة مصر في الحرب الإجرامية على اليمن هامشية ولكنها خاطئة فالموقف الصحيح هو إدانة العدوان. لا يكفي أن تؤيد مصر وحدة سورية وفاعلية الدولة السورية وأن تؤيد الدور الروسي رغم معارضة السعودية بل لا بد من تأييد للحكومة السورية أكثر وضوحاً وقوة، فالإرهاب الذي يهددنا في مصر هو نفسه الذي يهددنا في سورية كما أصبح لزاماً أن يمحو الرئيس السيسي جريمة الإخوان بسحب السفير المصري وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة ونشطة.
نعم هو عيد على الأمة فألف مبارك وهنيئاً لكل من ساهم في هذا الانتصار العظيم.
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشيجان (سابقا) 27 مارس 2016