الدين يوحّد لا يفرّق..
| د. علي القيّم
في ضوء ما حدث ويحدث في وطننا العربي من أزمات وفوضى ودمار وقتل وخصومات بين الأحزاب والتيارات الفكرية والتكفيرية والإرهابية والسياسية، وجدنا أن الفكر العربي مطالب بمراجعة مفاهيمه ومضامينه على مبدأي الديمقراطية والعقلانية، ومن منطلق أن «جوهر الدين وروحه أنه يوحّد ولا يفرق، والدين الإسلامي هو دين «التوحيد».. التوحيد على مستوى العقيدة (إله واحد) والتوحيد على مستوى المجتمع (أمة واحدة) والتوحيد على مستوى فهم الدين وممارسته: «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء».
أما السياسة فجوهرها وروحها، أنها تفرّق.. السياسة تقوم حيث يوجد الاختلاف، أو حيث يمكن أن يقوم اختلاف، ومن ثم فهي كما يقول محمد عابد الجابري: «فن إدارة الاختلاف» منها إلى أي شيء آخر، والإدارة أو التسيير تعني: إما إدارة الاختلاف القائم، وإما العمل على خلق اختلاف آخر جديد ومن هنا كان ربط الدين بالسياسة (أياً كان نوع هذا الربط ودرجته) يؤدي ضرورة إلى إدخال جرثومة الاختلاف إلى الدين، والاختلاف في الدين إذا كان أصله سياسياً يؤدي ضرورة إلى الطائفية ومن ثم إلى الحرب الأهلية، والتاريخ الحاضر منه والماضي، شاهد على ذلك.
الذي حدث ويحدث أن توظيف الدين في السياسة، لجأ إليه «العقل السياسي» للجماعة عندما لا يكون من مصلحتها التعبير عن قضيتها الاجتماعية / الاقتصادية، تعبيراً سياسياً صريحاً ومطابقاً، لأن ذلك يفضح الطابع المادي الاستغلالي لتلك القضية، أو عندما لا تستطيع هذه الجماعة، بسبب ضعف وعيها، من طرح قضيتها الاجتماعية / الاقتصادية طرحاً مكشوفاً، وفي كلتا الحالتين يكتسي توظيف الدين في السياسة طابعاً «طائفياً» أو مذهبياً، ويؤدي إلى التطرف الذي يعمي صاحبه، ويحجب عنه الحقائق الموضوعية ويجعله ينظر إلى العالم نظرة سحرية..
ومما يجب ذكره من خلال دراسة وقائع التاريخ أنه لم يحصل قط، ولا أظنه سيحصل يوماً ما، أن جماعة متطرفة، قد غيّرت الوضع أو صنعت التاريخ، والسلطة، كانت دائماً يتسلمها «المعتدلون- العقلانيون» الذين يقبعون في «الوسط» أو قريباً منه.. حول ذلك يقول المفكر العربي الكبير محمد عابد الجابري: «إن التطرف في مثل هذه الحال يصبح نوعاً من النظرة السحرية إلى العالم، يكتسي طابع الهروب إلى الأمام.. والتطرف في الدين يتبع السياسة دوماً».