من دفتر الوطن

جواهر الأخطاء

| حسن م. يوسف 

أراد شاعر حمص الكبير عبد الكريم الناعم أن يقطع الطريق على قرائه فعنون كتابه النثري: (ليس شعراً)، إلا أن محرر الهيئة العامة للكتاب وضع كلمة (شعر) على الغلاف، وهكذا صدر الكتاب قبل أسابيع حاملاً العنوان التالي: «ليس شعراً، شعر عبد الكريم الناعم»!
والحقيقة أنني لا ألوم ذلك المحرر لأن نصوص الكتاب أقرب إلى الشعر، دققوا معي في قول الناعم: «خَشبُ الباب برعمٌ اكتملت دورته.»… «السأم قُرَاد الثواني»… «السروة آهة خضراء»… «جسدي صلصال يابس يحن إلى رشَّة ماء»… «المساء يعلق عباءته بتؤدة على رؤوس الأشجار»… «دمشق زورق أقامه الله بين أشواقه القمرية، فاندفعت الغزالة بين مغربين، فكنت في الصباح وردتها التي لا تضاهى».
لست واثقاً أن الخطأ الذي اقترفه محرر الهيئة يدخل في باب الأخطاء المطبعية، إلا أن ذلك الخطأ فتح شهيتي لأن أحدثكم عن أشهر وأطرف الأخطاء في تاريخ الصحافة التي يسميها الفرنسيون بـ(الجواهر)، والتي تنعكس فيها المعاني بشكل يهز الثوابت ويثير عواصف من الضحك.
يقع الخطأ المطبعي نتيجة تبديل أو حذف حرف أو أكثر في كلمة أو أكثر ما يؤدي لتشويه المعنى وإيصال عكس المقصود. وقد يقع المحظور نتيجة نشر ملاحظة المحرر كجزء من النص، كما حدث في القصة التي تتنافس البلدان في نسبها إليها، فقد أرسل أحدهم لرئيس تحرير إحدى الصحف نص نعية في وقت متأخر من الليل فكتب ملاحظة للمخرج أسفل النعية «إذا بقي له مكان» فكان أن صدرت النعية في اليوم التالي وفي آخرها الكلمات التالية: «رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جنانه، إذا بقي له مكان».
ومن الأخطاء الصحفية العريقة قول إحدى الصحف الألمانية في نهاية عام 1880 أن بسمارك الذي كان قد تجاوز السبعين من العمر يسعى «… للحفاظ على علاقات جيدة مع كل القوى المؤثرة»، لكن المنضد استبدل حرفاً بآخر جعل بسمارك يسعى «… للحفاظ على علاقات جيدة مع كل المراهقات!».
وقد وقع خطأ طريف في نهاية القرن التاسع عشر في إعلان لبيع مزرعة، إذ استبدل المنضد حرف(r) بحرف (f) في كلمة مزرعة (ferme) فتحولت إلى (femme) أي (امرأة) فصارت صيغة الإعلان «امرأة جميلة للإيجار أو البيع، عند التعامل معها بشكل صحيح خصبة للغاية».
وفي ثلاثينيات القرن الماضي نشرت جريدة (ازفيستيا) السوفييتية خبراً عن استقبال ستالين للسفير البولوني، لكن المنضد أسقط سهواً الحرف الأول من كلمة سفير بالروسية، فانقلب (السفير) إلى (حمار). الطريف في الأمر هو أن ستالين الذي لم يكن يتساهل في مثل هذه الأخطاء أمر بعدم معاقبة العاملين في الجريدة لأن «السفير يستحق هذا الوصف فعلاً».
وقد فات مخرج صحيفة الأخبار المصرية أن يضع خطاً بين عنوانين رئيسيين بتاريخ العاشر من نيسان 1960، فظهرا كعنوان واحد بسطرين: «مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان» وقد أدى هذا الخطأ المريع لمصادرة الصحيفة، ومحاصرتها بقوات الأمن.
وقد أجرى أحد الصحفيين لقاء مع السادات فحولت الأخطاء العنوان من: «الرئيس المؤمن يتفاءل بالبيض المحلي». إلى: «الرئيس المدمن يتضاءل بالبيض المحلي».
وقد وقع خطأ أكثر إحراجاً، في صحيفة مصرية أخرى فبدلاً من «الوزيرة المصرية تتجول في كفر الشيخ» صدر الخبر: الوزيرة تتبول…! وفي خبر آخر استبدل الدال بحرف الراء فأصبحت عودة وزير الأوقاف «عورة»! وبدلاً من أن يبحث المجلس حقوق العمال صار يجتث حقوق العمال. وبدلاً من الوزير يحتفي بالوزيرة الزائرة، تصبح الوزير يختفي بالوزيرة الزائرة، وبدلاً من الثري العربي يبيع نصف يخته تصبح يبيع نصف أخته، والحق أن بعض الأخطاء المطبعية فيها وجهة نظر، وخاصة تلك التي تحوِّل الجماهير الشعبية إلى «الجماهير العشبية»، والشعوب النامية إلى «الشعوب النايمة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن