ثقافة وفن

«مداد» يبحث في ثقافة العنف وجذوره وأسبابه .. علاجه في المجتمع السوري يكلّف وقتاً وجهداً .. البداية من قابيل وصولاً لأشكال متطورة في الحرب على سوريّة

| عامر فؤاد عامر – ت: طارق السعدوني

أقام مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» في تاريخ 6 نيسان 2016 في مدينة الشباب بدمشق حلقةً نقاشيّةً بعنوان «ثقافة العنف» شارك فيها كلّ من الأساتذة الباحثين في المركز وهم: د.«كريم أبو حلاوة»، ود.«إنصاف الحمد»، ود. «عقيل محفوض». وتضمنت الحلقة أفكاراً رئيسة في معنى العنف ودلالاته، وأنواع العنف وصيغ اشتغالها، والجذور العميقة للعنف من العصبيّات بأنواعها، ومعنى التعصب، وعن الواقع التنموي لمجتمعنا، وتفاعل الدور الخارجي كعاملٍ ضاغط ومُتدخل ومهيمن، وفي الحلقة أيضاً كان هناك مقاربة لعناصر إستراتيجية من أجل مواجهة العنف تمهيداً لمرحلة إعادة الإعمار المقبلة، وغيرها من الأفكار التي تمّ طرحها ومناقشتها، وقد حضر المناقشة عدد كبير من الكتّاب، وأساتذة الجامعات، والمتخصصين، والمهتمين، ووسائل الإعلام، وجرت وسط تفاعل في النقاش بين الأساتذة المشاركين والحضور.

مؤسسة مداد
كانت البداية بترحيب وتعريف عن مركز «مداد» للأبحاث والدراسات فهو مؤسسة بحثيّة مستقلة تأسست عام 2015 مقرها مدينة دمشق، تعنى بالسياسة العامة والشؤون الإقليميّة والدوليّة، وقضايا العلوم السياسيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة، والقانونيّة، والعسكريّة، والأمنية، وذلك بالمعنى المعرفي الشامل «نظريّاً، وتطبيقيّاً» بالإضافة إلى عنايته بالدراسات المستقبليّة الاستشرافيّة، وتركيزه على السياسات، والقضايا الراهنة… وفي هذه الورشة أو المناقشة كان البحث مخصصاً في العنف وأثره في المجتمع، ومنشئه، وكيفيّة مواجهته، ووضع خطط مستقبليّة للانتهاء منه.

التداعيات والأسباب والحلول المحتملة
بحث الدكتور «كريم أبو حلاوة» بدايةً في معنى العنف ودلالته فهو- كما أشار- ممارسة إنسانية قديمة متجددة، من الطبيعي أن تتعدد تعاريفة وتتنوع معانيه، باختلاف الرؤى والمنهجيات والفلسفة… فهناك العنف ضد المرأة والطفل والملونين والمختلفين، وهناك العنف المسلح وغيرها. المعجم النقدي في علم الاجتماع يعرف العنف بقوله: « هو سلوك لا عقلاني يعزى أصله إلى مركّب من الميول والمصالح المتخاصمة التي تسبب إلى حدٍّ ما انحلال المجموعة نفسها، وأنه في كثير من الحالات سلوك قمعي متلازم مع عملية اختلال النظام». وبين الدكتور «أبو حلاوة» مثلث العنف المؤلف من العنف الثقافي والمباشر والبنيوي، وحول العنف الثقافي اقتطفنا ما يلي: «تجدر الإشارة إلى خطورة العنف الثقافي، أي ذلك المجال الرمزي في حياتنا، يكمن في مجال استخدام مكونات الثقافة بالمعنى الأنتروبولوجي الموسّع لتسويغ أو شرعنة العنف سواء من جهة الاعتداء على مبدأ وحدة الحياة أو من خلال تفكيك مبدأ وحدة الوسيلة والغاية اللذين دافع عنهما «غاندي» في محاولته لبناء نظرية اللاعنف وهو مسمى آخر لما يدعوه بناء نظرية السلام».

نظرة جديدة للتعليم
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» يقول الدكتور كريم أبو حلاوة «عن العنف غير المتجسّد بأفعال مادية»: «لقد ميّزنا بين العنف الرمزي ومختلف أشكال الأذى النفسي أو الكياني اللفظي الموجّه للأشخاص، وبين العنف الجسدي الذي يفضي للموت، وأشكال كثيرة وأحياناً العنف النفسي أصعب بكثير من الجسدي ويترك آثاراً بالغة». أمّا استقراؤه للمرحلة الزمنيّة القادمة وكيفيّة معالجة العنف الذي تكثّف في نفوس الأجيال: «المسألة لها علاقة بمراحل معالجة هذه المسألة التي ستأخذ وقتاً طويلاً، والمرحلة الأولى لها علاقة بإيقاف العنف وإجبار الطرف المعتدي على إيقاف عنفه الذي ترك آثاراً سلبية في نفوسنا وعلى حياتنا الشخصيّة وعلى ممتلكاتنا وكثرة من المسائل، وهذا سيحتاج إلى وقت وخطوات عملية ملموسة ولكن يحتاج إلى نظرة جديدة للتعليم الذي يعنى بالنوع لا بالكم وإلى بناء الإنسان من جديد».
تعقيب على ورقة ثقافة العنف

في تعقيب الدكتورة «إنصاف الحمد» على ثقافة العنف طرحت فيها مجموعة من الأسئلة التي تستحق البحث والإجابة فالموضوع عميق وله أبعاده وجذوره ولماذا نبحث في العنف؟ وما الملحّ لخوض غمار هذا الموضوع؟ والعمل على التمييز بين عنف الثقافة وثقافة العنف، والبحث في دور الوعي الفردي واللافردي واختلاف الفرد عندما يكون داخل جماعة في تصرفاته وردة الفعل، وركزت على البحث في دور التأثيرات الخارجيّة في توليد العنف وأيضاً على العلاقة بين القادة والمتعصبين والمتدينين وكثير من الأفكار التي تحتاج لمزيد من البحث والتدقيق. وفي أحد الأسئلة المنهجية التي ركزت عليها قالت هل هناك جذور للعنف كامنة في البنى الثقافية السائدة؟ وما هي في حال وجودها؟ وكيف سيتم تقصيها وعلى أي مستوى؟ الثقافي العام أم الثقافي الخاصّ المتعين في الحالة السوريّة؟

الفضاء المدني
وفي تصريح لـ«الوطن» تقول الدكتورة «إنصاف الحمد» حول الفرق بين ثقافة العنف والعنف الثقافي: «ثقافة العنف هي ثقافة ينتجها العنف، وبالتالي تجعله مقبولاً للناس، وتسوغه، وتشرعه، أمّا عنف الثقافة فهو تلك الآليات التي تستخدمها الثقافات لفرض نمط معين من التفكير، والسلوك على الأفراد». أمّا عن المؤشرات التي كانت واضحة في العنف قبل بداية الأزمة في سورية فأجابت: «كان هناك مؤشرات منها بعض جوانب الفشل التنموي التي لمسناها في الريف، والمناطق الشماليّة، والشرقية من سورية، وزيادة حجم العشوائيّات حول المدن، وهذا دليل التفاوت الطبقي، وأيضاً مناهج التعليم التي لم تكشف فضاءً مدنياً يكرس فكرة المواطنة بقدر ما كان فيها تكريس للتفرقة والتمييز بين المواطنين، فكلّ هذا كان يشكّل «كعب أخيل» جعل من العوامل الخارجيّة نافذة للمجتمع بسهولة… فللأسف كان لدينا نقاط ضعف كثيرة فلم يكن هناك عدالة في توزيع الثروة، وكان هناك نمو اقتصادي لكنه لا يحابي الفقراء، وكان هناك تنمية غير متوازنة، وكان لدينا مؤشرات جيدة جداً في التعليم وغير جيدة في النوعيّة، وحجم زيادة سكانية وعدد كبير من الشباب يعاني البطالة والفقر…». أمّا مؤشرات اليوم للقضاء على العنف فتجيب عنها: «أعتقد أننا بحاجة اليوم لإعادة النظر في منظومة التربيّة في الدرجة الأولى والقاعدة الأهمّ هي مدنية الفضاء العام وجعله فضاءً مدنياً غير ديني من أجل تكريس المساواة بين المواطنين وغرس ثقافة الانتماء للوطن والولاء له من دون فرض، وعلينا أن نربي السوري المنتمي لسورية ليحبّها ويفخر بها وهذا سيحتاج وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً».

من ثقافة العنف إلى ثقافة التوحش
في تعقيب الدكتور «عقيل محفوض» كان هناك ربط بين العنف كثقافة وتحولها لثقافة توحش، والعودة بجذورها الأساسية منذ بداية البشريّة. أمّا العنف الرمزي فقد عرفه: هو استخدام الثقافة ولغتها وأدواتها ومفرداتها من لغة وخطاب ورموز ودلالات لفرض أمرٍ ما على المتلقي، من دون الحاجة لاستخدام القوة المباشرة، لدرجة يصبح معها المتلقي جزءاً من العنف نفسه، لأنه يستبطن ما أريد له ومنه ويحرص على ديمومته بوصفه أمراً طبيعيّاً وضروريّاً… وقد أورد «امبرتو إيكو» في روايته «اسم الوردة» حادثة مميزة في العنف الرمزي، عندما قام الحراس المتدينون بوضع نوع من السم على أوراق كتب عليها ممنوع قراءتها بحيث يتغلغل السم عبر مسامات الجلد إلى جسم القارئ، فيموت عقاباً له على قراءة ما تراه الجماعة كفراً. والواقع أن في التاريخ الراهن المشرقي والإسلامي وغيره وقائع وسرديات كثيرة يبدو فيها إيكو ناعماً مقارنة بها.

العنف المقدّس
أمّا العنف المقدّس فيقول عنه الدكتور «عقيل» بأن أول عنف شهده العالم كان على يدّ قابيل وحادثة قتل «هابيل» وقد حاول الإنسان ضبط العنف منذ ذلك الوقت وفق معايير سماوية ولكن بقدر قليل من النجاح، وتطورت الأحداث وتناغمت تبعاً لمصالح البشرية وسيطرة الفئة الحاكمة الغالبة على الفئة المحكومة وتسييرها كما ترغب وصولاً إلى ثقافة التوحش والإبادة كما يحدث في المشهد السوري اليوم حيث يتم حشد كل الإمكانات الفقهية والذاكرة التاريخيّة والموارد المادية والمعنوية ووسائط الميديا والبنى الاجتماعية والقبلية والدينية والعرقية… من أجل خلق بيئة استقطاب اجتماعية وسياسية حادة وإلباس الأزمة السوريّة لبوساً طائفياً وخلق قابلية عنف فائقة وهذا ينسجم مع المذهبة والأدينة المتزايدة في المدارك والسياسات في العالم.

نهايةً
تواصل في نهاية المناقشة المحاضرون والمشاركون والجمهور، فالبعض أكد على أن يكون البحث في تاريخ العنف أكثر مما قدّمه المحاضرون، وحول فكرة الثأر والمجتمع العربي الخاصّة به حيث لم يتم التطرق إليها وكذلك فكرتا القهر والظلم اللتان ذكرت عنهما فقط الدكتورة إنصاف، فتلك من مولدات العنف، والبعض أشار إلى حرب الظاهرة أكثر من حرب أشخاصها فهو المنطق السليم في معالجة موضوع العنف بالإضافة لكثير من الأفكار منها المدد الزمنية للمعالجة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن