من دفتر الوطن

دفاتري العتيقة!

| عصام داري

تصيبني الدهشة أحياناً عندما أرجع إلى دفاتري وأوراقي العتيقة، فأجد كلمات رسمتها، وزوايا كتبتها، وأفكاراً دونتها هنا، في هذا الركن من «الوطن» أو في أي مطبوعة وطنية، أو عربية.
منذ نحو أربعة عقود كان لي تجارب في الكتابة الأدبية، إذ نشرت في مجلات عربية بعض القصص القصيرة، وكان طموحي أن أصل إلى مستوى أرنست همنغواي أو مكسيم غوركي، أو نجيب محفوظ أو زكريا تامر، لكن تلك التجربة توقفت ودفنت في مهدها لأنني بكل بساطة اقتنعت بأنني غير قادر على مقارعة تلك الأسماء لعمالقة الأدب والرواية والقصة، إضافة إلى أن ظروف الحياة قادتني إلى متاهات ومَفَاوِز لا حدود لها، وسلكت دروباً مغايرة لرغباتي واهتماماتي.
لكنني اليوم وأنا أعود إلى ما كتبته قبل أربعين عاماً خلت أندم على أنني لم أتابع تلك المغامرة الشيقة التي عشقتها، ولا يهم بعد ذلكم ما إذا نجحت في الاقتراب من قامة الأدباء الكبار على المستويات السورية والعربية والدولية.
لقد كانت تجارب شاب مقبل على الحياة بشغف وعشق الكلمة والحرف، وكان يتطلع أن يسخِّر الأبجدية لمصلحة ترجمة أفكار كبيرة كانت تدور في رأسه، واليوم أرى أن تلك التجربة كان يمكن لها أن يكتب النجاح من خلال التطوير والقراءة والمثابرة، فما قرأته جدير بالاهتمام، بكل تواضع.
وحتى ما كتبته خلال الأعوام القليلة الماضية يمكن أن يكون نواة لمشروع كتاب يتطلع إلى أن يرى النور، وربما أنجح قريباً في تحويل هذا الحلم الصغير إلى حقيقة.
ما أريد قوله: إننا في مرحلة من عمرنا نقلل من شأن أنفسنا، ونظن أن ما نقوم به من أعمال في أي مجال من الحياة هامشي، وربما تافه ولا قيمة له، وهذا ما لمسته في مطلع حياتي مع نشر أول قصة قصيرة في حياتي عندما قرأها صديق يشتغل في الأدب وشجعني على الاستمرار لأنني أمتلك ناصية الكتابة.
أمس قرأت ما دونته على الفيسبوك قبل عام، وأصابتني الدهشة مما قرأت، وكأن شخصاً آخر هو الذي كتب تلك الخاطرة، إذ قلت: الربيع يسجل في أجندته مواعيد تفتح الأزاهير والورد.. وينسى تسجيل تفتح مواعيد تلاقي المطر مع عطش الأرض التي لم تكتف بعد بخير السماء طوال شتاء غزير.
وتغني فيروز من كلمات جوزف حرب: «بليل وشتي صوتو مسموع…» وصوتي يكاد يختفي بين حروفي المتعبة بعد رحلة حياة صارت عبئاً ثقيلاً، على الروح والنفس قبل الجسد.
كل موعد ضاع في زحمة الأيام والأحزان، ترك جراحاً في القلوب، وشطب أياماً من دفاتر حياتنا الضائعة أصلاً في روتين الزمن، وعقارب الساعة مازالت تلدغ عمرنا، و.. فجأة نجد أنفسنا وقد تجاوزنا منتصف الطريق، ونكاد نبلغ نهايته من دون أن نتزود بذخيرة من حب وفرح وسعادة، ونكتشف، أننا أضعنا أعمارنا في كهوف من الابتعاد وصرفنا من بنوك حياتنا سنوات على توافه الأمور، وأهملنا قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، فأهملتنا وسلمتنا للنسيان.
اليوم، أجدد توقيعي على ما كتبت، وعلى كل أفكاري التي هي فلسفتي في الحياة ومنهجي، نقطة أول السطر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن