إمبراطورية فيس بوك
حسن م. يوسف:
أجزم أنه لم يخطر ببال مارك زوكربرك ورفاقه من طلاب علوم الحاسب الآلي في جامعة هارفارد الأميركية الذين أسسوا الفيس بوك في الرابع من شباط 2004 أن الشبكة المحلية التي أحدثوها للتواصل الاجتماعي بين زملائهم الطلبة، سوف تصبح عالمية بسرعة بالغة، وأنها ستنمو لتتحول إلى شبه دولة عظمى يزيد عدد المشاركين فيها على عدد مواطني أميركا، وأنها ستنعم بتعددية ثقافية ولغوية وعرقية لا يمكن مقارنتها بأي دولة أو إمبراطورية عرفها التاريخ الإنساني، فقد تجاوز عدد المشتركين النشطين في الفيس بوك خلال الربع الأول من هذا العام 1.44 مليار شخص، وبما أن عدد سكان كوكب الأرض بلغ، 7.318.347.956 شخصاً، في الساعة العاشرة إلا ربعاً من صباح يوم أمس السبت أثناء كتابتي لهذا المقال، على ذمة موقع worldometers. info الذي يجدد إحصاءاته لسكان الكوكب لحظة بلحظة، فهذا يعني أن خمس سكان هذه الأرض هم أعضاء في شبكة الفيس بوك!
ما وددت الوصول إليه مما سبق هو أن شبكة الفيس بوك تحيط بالعالم وتؤثر في كل زواياه، وهناك جهات عديدة ترى أنها تتبع لجهات استخبارية ومخترقة من قبل جهات أخرى. ولهذا فإن تأثيرها في منطقتنا أكبر وأخطر مما هو عليه في أي مكان آخر، لأنها توفر للمواطنين متنفساً للتعبير عن آرائهم «بحرية»، في ظل هيمنة الرقابة على وسائل الإعلام المحلية، ما حوّلها من شبكة للتواصل الاجتماعي إلى ساحة للصراع السياسي تشكل امتداداً لحالة الحرب التي تعصف بالبلاد.
وما فاقم ويفاقم هذه الحالة هو أن وسائل التأثير الثقافية الأخرى تكاد تكون معدومة بسبب غلاء الكتب ومحدودية المناهل الثقافية المتاحة للجمهور العريض، وخاصة أن إدارة فيس بوك غيرت قانون الخصوصية بحيث صار يحق لها «استخدام صور وبيانات المستخدم مدى الحياة».
أحد المستخدمين شبه الفيس بوك بالسجن، فأنت «… تجلس فيه، تضيع وقتك، تصنع صورة شخصية لنفسك، وتكتب على حائطك ويتم وكزك من قبل أشخاص لا معرفة لك بهم».
قبل نحو يومين، كتبت على صفحتي لسان الحال التالي: «شخص سفيه ضحل يجتر فكرة متخلفة تدعو للانحطاط والتعصب، يحصد خلال ساعات عشرات آلاف الإعجابات والتعليقات.
شخص وطني جدي، يطرح فكرة سجالية حقيقية راهنة تمس الداء الذي يفتك بالأمة، قد لا يتجاوز عدد من يحظى باهتمامهم بضعة آحاد أو عشرات.
هل لديكم من تفسير لهذه الظاهرة الفيسبوكية؟»
صحيح أنه من غير الممكن الإحاطة بكل التعليقات التي بلغت 160 تعليقاً، لذا سأتجاهل المتشابه وألخص الباقي: «الأزمة ثقافية بامتياز». «المشكلة بين الخوف والحرية». «ظاهرة عالمية»، «ورم خبيث»، «هيجان قطعاني»، «تصحر أخلاقي»، «مشكلة جينية»، «موروث طائفي»، «الأغبياء أكثر من الأذكياء»، « كثرة الغوغائيين»، «اللعب على الغرائز»، «تسطيح الأفكار»، «ثقافة القطيع»، «الانحطاط والفراغ الفكري والأخلاقي».
وقد برر بعض الأصدقاء ما وصلنا إليه بأن «الشر أعم من الخير، والجهل أعم من العلم» و«الأنبياء ورفيعو الذوق قلة» و«المشكلة بالمناهج المدرسية والوساطات».
أخيراً أختم مقالي برأيين كاملين الأول للصديقة ياسمينة شامية: «لن تقوم لنا قائمة ما حيينا طالما سنظل نمشي وراء عصبيتنا وأهوائنا ونحن نركن عقولنا جانبا» والثاني للصديق رجاء عبد الله: «العقل المقيد… يلمح النور ويتجاهله… لأنه اعتاد التخفي خوفا من الحقيقة».
فما رأيك أنت أيها القارئ العزيز؟