فرنسا بين الإرهاب والصعوبات الاقتصادية ووضع هولاند السياسي
| د . قحطان السيوفي
المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي يشير إلى محاولات يائسة لبعض حكومات دول الإمبراطوريات الأوروبية القديمة البائدة لاستعادة بعض من نفوذها الضائع… وتأتي حكومة فرنسا في عهد هولاند في المقدمة؛ كل المؤشرات تؤكد تراجع شعبية الرئيس هولاند مع اقتراب نهاية ولايته… ويعتبر موضوع الإرهاب والفشل الاقتصادية العوامل الأهم في تقرير نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية المُقبلة… هولاند يتحمل مسؤولية سياسته الخاطئة في الشرق الأوسط بدعمه المباشر وغير المباشر للدول الممولة لما سمي الربيع العربي الأسود، ومنتجاته من الفوضى والإرهاب وهذا الأخير يرتد اليوم على فرنسا وأوروبا… ومن المتوقع أن يُحمل الشعب الفرنسي هولاند مسؤولية ذلك سلباً في الانتخابات الرئاسية القادمة وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حظوظ هولاند للفوز بولاية رئاسية ثانية ضعيفة جداً…
الرئيس هولاند الذي جاء من بين الجماهير الاشتراكية الفرنسية يبدأ السنة الأخيرة من ولايته بتراجع شعبيته إلى ما يقارب 15 في المئة من مجمل الشعب الفرنسي، ويقول معهد استطلاعات الرأي إن أقل من 40 في المئة فقط من الذين صوتوا له في الدورة الأولى عام 2012، لا يزالون يؤيدونه.
يقول (مارتن وولف) البروفسور في الاقتصاد السياسي وكبير الخبراء في الفاينانشال تايمز (حشرجة الموت الصادرة عن النموذج الاقتصادي الفرنسي لا تزال مسموعة، وعلينا أن ننتظر لنرى كيف ستكون النهاية…).
وبسبب الركود الاقتصادي، والأوضاع الاقتصادية السيئة في فرنسا، والفشل في تخفيض نسبة البطالة، رغم محاولات هولاند غير الناجحة بتمرير بعض صفقات الأسلحة إلى دول نفطية خليجية حليفته في دعم الإرهاب…
إضافة إلى تزايد القلق والخوف لدى الفرنسيين من التهديدات الإرهابية، والعمليات الانتحارية التي شهدتها الساحة الفرنسية… كل ذلك جعل فرص الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للفوز بولاية ثانية في 2017 «شبه معدومة» وفي ظل أجواء قاتمة أبرز أعراضها تصاعد الحركة الاحتجاجية ضده في الشارع الفرنسي بسبب قانون العمل الجديد المثير للجدل، وخاصة بين أوساط الشباب ولطالما ربط هولاند ترشحه لولاية ثانية بتحقيق تحسن على صعيد إيجاد فرص
عمل جديدة تخفف من حدة البطالة لدى الشباب ؛ لكنه أخفق في تحقيق ذلك…
وشارك عدد كبير من الشباب اليساريين آخر شهر آذار في تظاهرات حاشدة احتجاجاً على مشروع إصلاح لقانون العمل اعتبر على درجة عالية من الليبرالية، وعلى وقع هتافات «هولاند قُضي عليك، الشباب في الشارع»، تظاهر نحو 1.2 مليون شخص بحسب النقابات، وهو ما يزيد على ضعف عدد المشاركين في التظاهرة على حين ألأولى وجاء في صحيفة «لو فيجارو» اليمينية في أوائل شهر نيسان 2016 في العنوان الرئيسي للصحيفة «بداية النهاية»، فيما تحدثت صحيفة «سود وست» المحلية عن «غروب ونهاية حكم».
وبين التظاهرتين، أدخلت حكومة هولاند بعض التعديلات الكبيرة على مشروع قانونها، غير أن النقابات المعارضة له تطالب بالتخلي عن النص بالكامل، ودعت إلى تظاهرات جديدة وفي مواجهة احتجاجات النقابات والموظفين، تراجعت الحكومة الفرنسية عن بعض النقاط الخلافية الواردة في مشروعها… لكن النقابات المحتجة لا تزال تطالب بسحب مشروع القانون بالكامل…
وتعتبر النقابات أن هذا لن يؤدي إلى توفير وظائف وسيعمم الشعور بانعدام الأمان الوظيفي وسيفاقم التفاوت المهني ولاسيما حيال النساء والشباب أوضح (برونو جانبار) المختص السياسي من معهد «أوبينيون وآي» لاستطلاعات الرأي في فرنسا، أن هناك تراجعا متواصلا في شعبية هولاند منذ سنتين بسبب عدم تحقيق نتائج اقتصادية، ومنذ بضعة أسابيع، لمسنا أن هناك تسارعا في ابتعاد معسكره نفسه عنه وقال مقرب من هولاند إنه في حال لم يتقدم لولاية ثانية، فهذا سيعني أنه سيمتثل لاستطلاعات الرأي ويرفض خوض المعركة.
غير أن (برونو جانبار) لفت إلى أن فرص هولاند شبه معدومة في الفوز بولاية ثانية، ويشير معظم استطلاعات الرأي إلى هزيمته منذ الدورة الأولى من الانتخابات، وعلى الرغم من هذا السيناريو الذي يطرح خطر انحصار المواجهة في الدورة الثانية بين اليمين المتطرف واليمين، والدعوات إلى تنظيم انتخابات تمهيدية في اليسار، يشير(جانبار) إلى عدم وجود تهافت في الحزب الاشتراكي على استبدال هولاند تمهيدا لاستحقاق 2017، ويبرر ذلك بأن فرص نجاح المرشح الاشتراكي أياً كان ستكون ضعيفة لأنه سيتحمل وزر الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها هولاند….
باختصار فإن فرنسا اليوم التي تعيش بين مطرقة تنامي الإرهاب… وسندان الفشل على الصعيد الاقتصادي… ستشهد هزيمة هولاند السياسية…