واشنطن وموسكو: إصرار على تعزيز الهدنة
| أنس وهيب الكردي
في وقت تكثفت فيه الخروقات لـ«وقف العمليات القتالية» في سورية من الجماعات المتطرفة، أطلقت واشنطن وموسكو مسعى من أجل منع انتهاك هذا الاتفاق. واللافت أن الأميركيين والروس اتفقوا ولأول مرة، ليس فقط على مواجهة تنظيم داعش وجبهة النصرة المدرجان على لائحة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية، بل أيضاً، «التنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بهما»، كما اتفقوا على اتخاذ «إجراءات إضافية» لقطع إمدادات وتوريد الأسلحة والمسلحين من الخارج، في إشارة غير مباشرة إلى تركيا.
وعلى الرغم من أن رئيس الدبلوماسية الأميركية اكتفى بالحديث عن اتفاق لضرب داعش و«النصرة» إلا أنه التزم بمنطوق القرارات والبيانات الدولية التي ساهم في كتابتها، وبالأخص أن «السوريين هم من يقررون مستقبلهم»، وبات أقرب إلى المنطق الروسي القائل بتشكيل حكومة جديدة في سورية، و«إنه، من خلال هزيمة داعش يمكن أن تتحقق عملية التسوية السياسية في سورية».
واستغل المتطرفون انسحاب الجزء الرئيس من القوات الجوية الروسية من سورية، وأطلقوا سلسلة هجمات في محافظات حلب، اللاذقية وحماة، المشمولة بالاتفاق الأميركي الروسي حول «وقف العمليات القتالية». وزاد من تعقيد الوضع أن «النصرة» فرع تنظيم «القاعدة» في سورية، غير المشمولة بالهدنة، عقدت تحالفاً جديداً مع جماعات مسلحة إسلامية في تلك المحافظات، لشن تلك الهجمات. ولا يشمل اتفاق «وقف العمليات القتالية» كلاً من «النصرة» وداعش، لكن المفاوضين الأميركيين أصروا لدى التفاوض مع نظرائهم الروس على الاتفاق، على استثناء المناطق التي فيها الجبهة إلى جانب غيرها من المجموعات المسلحة المشمولة بحماية «وقف العمليات القتالية»، من الحرب على الإرهاب، إلى حين الفصل بينها.
وزاد في التعقيد تلكؤ الأميركيين في المفاوضات الجارية بشأن تأسيس نظام الرقابة على «وقف العمليات القتالية»، ما دفع موسكو إلى التلويح بالتحرك من جانب واحد.
وغداة اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، وصف الكرملين «وقف العمليات القتالية» القائم في سورية بـ«الهش وغير المستقر»، لكن يبدو أن روسيا تعول على التعاون مع الولايات المتحدة لمنع حدوث خروقات للاتفاق. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف: إن «أي انتهاك سيشكل حتماً خطراً على هذا الوقف الهش وغير المستقر للأعمال القتالية»، وأضاف: «لذلك، تعمل روسيا باستمرار من أجل خفض عدد الانتهاكات ثم إنهائها كلياً، وهي تقوم بهذه المهمة جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة في إطار الآليات المتفق عليها، بحسب ما نقلت وكالة «سانا» للأنباء.
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء عن بيسكوف تحذيره أمام الصحفيين، من أن «خروقات وقف إطلاق النار مهما كانت محدودة أحياناً، يمكنها أن تسفر عن انعكاسات وتداعيات من شأنها أن تعرض كل عملية التسوية لمخاطر شديدة وتنسف فرص إحلال السلام المنشود في سورية».
تصريحات بيسكوف جاءت غداة اتصال هاتفي بين لافروف وكيري اتفق فيه الرجلان على ضرورة تفعيل التعاون بين موسكو وواشنطن لتعزيز الهدنة في سورية. وأكدا «التزامهما بتعزيز الجهود الرامية إلى محاربة «داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بهما»، كما اتفقا على اتخاذ إجراءات إضافية بشأن قطع إمدادات وتوريد الأسلحة والمسلحين من الخارج، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان نقله موقع قناة «روسيا اليوم».
إلا أن كيري الذي تلقى الاتصال من لافروف، خلال زيارته إلى مدينة هيروشيما اليابانية للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الكبرى، لم يأت على ذكر سوى داعش و«النصرة»؛ إذ لفت إلى أن مباحثاته الأخيرة مع نظيره الروسي تناولت الجهود المبذولة لتعزيز اتفاق «وقف الأعمال القتالية» وتركيز الجهود على تنظيمي داعش و«النصرة»، إضافة إلى إيصال المساعدات الإنسانية.
وخلال مؤتمر صحفي في ختام الاجتماع الوزاري، أوضح كيري، أن نقاشاته في هيروشيما تركزت حول الدور الذي تسهم به الولايات المتحدة في الحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية، والدفع قدماً بالعملية السياسية من خلال محادثات جنيف لإنهاء الأزمة في سورية.
وأعلنت مجموعة السبع دعمها إقامة «حكومة جديدة تمثل الأطراف السورية كافة»، في تطابق مع الموقف الروسي.
ومضى رئيس الدبلوماسية الأميركية أكثر في التماشي مع الموقف الروسي معلناً أن «الشعب السوري هو من يقرر مستقبله بنفسه». وأشار في هذا الصدد إلى أن بيانات «المجموعة الدولية لدعم سورية» والقرار الدولي 2254 إضافة إلى بيان ميونيخ، أكدت أن عملية الانتقال السياسي في سورية لا بد أن تكون بيد السوريين وأنهم هم من يحددون مستقبلهم.
وقلب كيري كامل المنطق الأميركي حيال تسوية الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب والداعي إلى تنحي الرئيس بشار الأسد من أجل ضمان نجاح مكافحة تنظيم داعش، لأن الأول، بحسب تصريحات سابقة لوزير الخارجية الأميركي، «مغناطيس يجذب الإرهابيين من حول العالم». وفي هذا المجال صدر عن كيري موقف جديد اعتبر فيه، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء «سانا»، «أنه، ومن خلال هزيمة داعش يمكن أن تتحقق عملية التسوية السياسية في سورية» ما يعني أن شرط التسوية هو هزيمة داعش. وتصر الحكومة السورية وحلفاؤها على ضرورة هزيمة الإرهاب من أجل إنجاح المساعي لتسوية الأزمة. لكن الخلاف لا يزال قائماً بشأن تحديد من هو الإرهابي. ولم يعلن بعد عن اتفاق بين واشنطن وموسكو بشأن القائمة الموحدة للتنظيمات الإرهابية على الرغم من كل الاتصالات الروسية الأميركية المكثفة في هذا المجال.
وأشار كيري إلى أن إنهاء الأزمة في سورية سيسهم في وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا ويحد من قدرة داعش على توسيع أنشطته في اليمن وليبيا، الأمر الذي يعتبر ضرورياً لتقليص عدد الإرهابيين الذين قد يحاولون العودة إلى بلدانهم في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا وبلدان أخرى واقتراف أعمال قتل وعنف هناك.
وفي بيانهم الختامي، وصف وزراء خارجية مجموعة السبع الإرهاب بـ«التهديد الأمني الشامل الذي يتطلب تعاوناً دولياً وردوداً مكثفة». وأضافوا: «ندعم بحزم إرادة التحالف في تكثيف وتسريع الحملة على (داعش) في العراق وسورية».
وتابع وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا واليابان وإيطاليا وألمانيا، في بيانهم، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية: إنه «رداً على المستوى الحالي للتهديد، نعمل على خطة عمل لمجموعة السبع حول مكافحة الإرهاب، ستشمل إجراءات عملية لتعزيز جهود مجموعة السبع والجهود الدولية لمكافحة الإرهاب».
وعما يتعلق بسورية أكد البيان حاجتها الماسة إلى «حكومة جديدة تمثل الأطراف السورية كافة»، وحددوا مهامها فيما يلي: «حماية المواطنين، مكافحة الإرهاب، وإعمار سورية».