كنوز العرب… يسرقها اللصوص
|د. رحيم هادي الشمخي
الذين قاموا باحتلال العراق عام 2003م، من أميركان وعرب الجنسية كبارهم وصغارهم لصوص، ومن وقف مع الإرهاب وساعده بالمال والسلاح في سورية العربيَّة هم لصوصٌ أيضاً، لوحةٌ واحدة، تُعبِّر عن التوحَّش والقتل وسرقة كنوز العرب في العراق وسورية وليبيا واليمن.
170 قطعةً أثريَّةً دُمِّرت أو نُهبت من متحف بغداد وما تبقَّى استلقى مُحطَّماً، شاهداً على هولاكو، (التحرير والديمقراطية) في بغداد، فالمؤرِّخة نبيهة الأمين، تبكي على أطلال متحف بغداد، مردِّدةً ( أُحمِّل الأميركيين المسؤوليّة)، بابل، نينوى، سومر، أور، آشور، وكلُّ المنحوتات واللوحات، وآلاف السنوات بكت معها.. ونحن أيضاً.
منحوتاتٌ آشوريّة، كتاباتٌ كوفية، آثارٌ دهريَّة، لا اليونسكو حمتها ولا الغرب منع اللصوص الكبار من اختطافها، دبابةٌ واحدة تكفي لحماية تراث، لكنها أبت والدليل على ذلك (كيف شجَّعت القوات الأميركيّة على سلب جامعة التكنولوجيا في بغداد وحرقها)، أمّا المكتبة الوطنيّة في بغداد فقد نُهِبت، تلك حربٌ لا حلم لها، ولا ذاكرة، ولا نفعت نداءات اتحاد الأدباء العرب والكُتَّاب العرب إلى «اليكسو» المنظمة العربية للتربية والثقافة، و«اسيسكو» منظمة التربية والثقافة في العالم الإسلامي، و«اليونسكو» منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية، ولا حياة لمن تنادي.
رماد الكتب يتطاير في فضاء وادي السلام ولو قُدِّر للشاعر العربي أبي الطيب المتنبي أن يقوم من قبره، لقال بغصَّةٍ قصيدة المرارة في أرضٍ كُلُّها بادية وبغداد حاضرتها.
رَحِم اللـه اتفاقيَّة «لاهاي» عام 1954م، التي تقضي بحماية التراث الثقافي من الصراعات، من يُصدِّق أن أميركا وبريطانيا لم تصدقا عليها، وهذا ما حدا بضابطٍ أميركيٍّ أسود اللون أن يسرق (آنية زهور) من المرمر يرجع تاريخها إلى 3500عام قبل الميلاد، تَحُنُّ الآن إلى ديارها في متحف بغداد وتسأل السماء عن هذا المصير النازل.
اللصوص الصغار قطعوا رؤوس التماثيل المضمَّخة التي لم يتمكَّنوا من إخراجها كاملةً، ونقلوا قطعاً تمَّ بيعها في عواصم الغرب، يا للتيه..! كما دُمِّرت معالم حضارة الموصل من قِبل داعش وأعوانهم الإرهابيين، أمَّا ما جرى في سورية الحبيبة من نهبٍ وسلبٍ للآثار والكنوز الخالدة على أيدي الإرهابيين الذين درَّبتهم أكثر دوائر المال إجراماً ووحشيَّةً، أمثال داعش وأخواتها، وما جرى في آثار تدمر لهو أكبر جريمةً عرفها التاريخ فقد هُدِّمت معالم حضارة تدمر ونُهبت معالم مدينة الرقة وشُوِّهت المراقد المقدَّسة في أكثر المدن السوريّة، وما أصاب العراق وسورية من تدميرٍ للمعالم الحضاريّة، أصاب ليبيا واليمن من حرقٍ وتدميرٍ لهذه التماثيل التي تُعبِّر عن حضارتهما عبر العصور المختلفة، فقد درَّبت دول الحلفاء التي احتلَّت ليبيا فرقاً إرهابيَّةً مناهضةً للعروبة والإسلام وأمرتها برفع هذه التماثيل من ساحات وشوارع بنغازي وطرابلس ومصراتة، هذا الحريق في تدمير الحضارة العربيّة أصاب اليمن أيضاً، وما حدث في سدِّ مأرب وحضرموت وعدن من تدميرٍ وحرقٍ للآثار من التحالف السعودي القطري الأميركي ومن العملاء الذين أرسلتهم دول الغرب الأوروبي لهو شبيهٌ كل الشبه بما فعله الأميركان في العراق، ولا ننسى آثار بوذا في أفغانستان التي تسأل عن جاراتها في دمشق وبنغازي وصنعاء، هنالك تكمن الغريزة، وهنا تكمن شراسة الحضارة والحريّة.
الزمان والمكان يبكيان معاً في بلاد ما بين النهرين، ويعتمدان على الإنتربول الدولي ليثأر لهما، أمّا الأرض فصامتةٌ تصغي إلى ما فعله اللصوص صغاراً وكِباراً، هذه الذاكرة التي تَفْرَغ، ليتها تصرخ ولكن… من يمحو وصمة العار هذه..!
نعم… كنوز العرب سرقها اللصوص… اللصوص.