من دفتر الوطن

ورود نيسان!

| عصام داري

«أبريل شهر الغبار والأكاذيب» كما يقول نجيب محفوظ في رواية «خان الخليلي»، على حين أرى أن شهر أبريل، أي نيسان، هو شهر الربيع والأزاهير، والنسيمات المنعشة التي تتسلل إلى النفوس المتعبة، هو شهر الحب والفرح والبشرى الآتية من رحم الآلام والمعاناة والمحن.
نيساننا بداية حياة جديدة، تتفتح الورود والأزاهير، تتفجر الينابيع والعيون، وتسهر العيون الساحرة على ضوء القمر، وتعزف الجداول ألحانها على أوتار الماء المنسكب على أديم الأرض، لتنبعث الحياة بعد موات طويل.
في بلادي، نيسان هو شهر القصائد والزجل، وشهر المحبة التي تشعل مشاعر البشر، وتفتح دروباً للخيال، وتدق بوابات التفاؤل والأمل والحكايات.
وردة عطرة تفتحت منذ سبعين عاماً رواها الأجداد والآباء بدمائهم الطاهرة الزكية، وافتدوها بأرواحهم التي كانت القربان المقدس لولادة وطن حر سيد مستقل ينعم أبناؤه بالخيرات والعطاء الكبير.
وإذ نستعيد اليوم تلك الذكرى وحكاياها العطرة، فإننا نتذكر بعضاً من الأشعار التي قالها أبطال الكلمة الحرة والصوت القوي المؤمن بعدالة قضاياه، وقد صور شاعر الجلاء شفيق جبري فرحة الشعب السوري بجلاء المستعمر قائلاً:
حلم على جنبات الشام أم عيد
لا الهمّ همٌّ ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العين والرايات خافقة
أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد
أما الشاعر والسياسي والدبلوماسي عمر أبو ريشة فله قصيدة عصماء خالدة هي «جبهة المجد» وقد غنتها المطربة سلوى مدحت ولحنها فيلمون وهبة يقول فيها:
يا عروس المجد تيهي واسحبي
فـي مـغانينا ذيـول الـشهب
‏ لـن تـري حـفنة رمل فوقها
لـم تـعطر بدما حـر أبـيّ‏
كذلك نظم الشاعر بدر الدين الحامد قصيدة رائعة أقتطف منها هذين البيتين:
يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها‏‏
لنا ابتهاج وللباغين إرغام
‏‏ يا راقداً في روابي ميسلون أفق
جلت فرنسا وما في الدار هضام‏‏
وبدوي الجبل(محمد سليمان الأحمد) كان له حضور لافت في أشعار الجلاء وهو القائل:
كتب اللـه لك النّصر به‏
فعلى الظّلام والظلم العفاء
الغد الميمون في الدنيا لكم‏
فاقتحم يا جيش واخفق يا لواء‏
من الطبيعي أن أعجز في هذه المساحة الصغيرة عن ذكر معظم ما قيل عن الجلاء شعراً، لكن وردة من بستان قد تعطي عطر البستان كله، وهذا اختزال شديد لما قيل في الجلاء.
لكن العبرة هي أن أبناء سورية الذين صنعوا الجلاء قبل سبعين ربيعاً، يعملون هذه الأيام على حماية ذلك الجلاء الذي يتعرض منذ خمس سنوات لمحاولات تهشيم ما أنجزه وبناه السوريون ليس في سبعين عاماً فقط، وإنما في سبعة آلاف عام خلت.
لكننا على ثقة بأن الغد لنا، فمن زرع ورود نيسان سابقا، قادر عبر الأجيال التي جاءت بعده، على زراعة المزيد من الورود والأزاهير التي ستنشر عطرها الفواح للأجيال القادمة.
كل عام وسورية بخير وشعبها بألف خير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن