ثقافة وفن

الحاجة إلى الغير

| د. اسكندر لوقا 

في الزمن الراهن، مسألة التعامل مع الذات ربما يصح إدراجها بين الاهتمامات الإنسانية – الإنسانية، وذلك من منطلق واقع التعامل بين صاحب هذه الذات وتلك وبين المحيطين به، وذلك بحكم الحاجة إلى الغير بشكل أو بآخر.
وبطبيعة الحال فإن معادلة كهذه، كي تستقيم وتأخذ أبعادها في الحياة بين الناس، لا بد من توافر مستلزماتها، وبالدرجة الأولى من تلك المستلزمات الثقة بالنفس. وأقول بالثقة لأنها البداية لاختيار الدرب الخالي من الحفر وبالتالي للوصول إلى الآخر بشفافية وبصفاء بعيداً عن أي غرض شخصي. من هنا المطالبة بأن يتعرف الإنسان إلى ذاته قبل أن يسعى للتعرف إلى من حوله، لأنه بمثل هذه المعرفة فقط يتخطى أناه الضيقة ليكون جزءاً من كل لا كلا من كل فيضل السبيل إلى هدفه.
في الزمن الراهن، مسألة التعامل مع الذات باتت مطروحة من باب تغليب الأنانية على الغيرية، وذلك بسبب من فقدان الثقة وانطواء المرء على ذاته، خلافاً لقاعدة التواصل بين الناس خدمة للمصلحة العامة. وهذا ما تبينه تبعات الوضع الذي لحق بسورية منذ خمس سنوات ولا يزال.
إن الحرب التي شنت على سورية ومستمرة إلى اليوم، أفرزت العديد من الأمراض التي لها علاقة بحب الذات، لأن المصالح الشخصية غلبت المصالح العامة، وبات الإنسان أسير ذاته ومن ثمَّ تخلى عن ذوات سواه وكاد لا يعلم أين هو من الآخر وأين الآخر منه. وهذه المعادلة من نتائج الحرب التي يعاني أبناء وطننا من وطأة تداعياتها، وربما سيبقى يعاني منها إلى زمن ما بعد انتهاء زمن الحرب.
في السياق المتصل تستدعي الحاجة إلى ترميم القناعات المغلوطة التي أفرزتها فترة الحرب ببذل أقصى ما يمكن من جهود تشترك فيها المؤسسات المعنية كافة، بدءاً بالتربية انتهاء بالإعلام، مروراً بالجمعيات المدنية التي ازدهرت في أرجاء وطننا في الفترة الأخيرة على وجه التحديد.
إن إعادة اللحمة إلى الذات التي فقدت شيئاً من مكوناتها الاجتماعية، ضرورة ملحة في سياق ما نحتاجه لتجاوز تبعات الأزمة التي يمر بها وطننا، ولأن في عودة الثقة إلى الذات سبيل تلاقيها مع الذوات الأخرى، وتحديداً في زمن استعادة زمام الأمور على أرض المعركة، معركتنا مع أعداء الحياة أكلة لحوم البشر وأكبادهم.
وبمقدار ما تتسارع الخطا لتدارك مساوئ اتساع المسافات بين أبناء الوطن الواحد، نفسيا واجتماعياً، تكون قد توضح الرؤية أمامنا.
يقول الكاتب والشاعر الفرنسي جان ماري بوارييه [1871- 1923]: عندما ينطوي المرء على ذاته، فإنه يتعرض كثيراً لعدم رؤيته إلى أين يمضي.
وحتى نتجنب الضياع ونحن على الدرب مفيد أن نعلم من نحن ومن الذين حولنا ومعنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن