أعتزّ بتكريم بلدي لي في شعار «فخر بلدي» … طارق صالحية لـ«الوطن»: علينا تسليط الضوء على الموسيقيين السوريين الذي وصلوا إلى العالميّة
| عامر فؤاد عامر
ابتدأ العزف على آلة الغيتار في عمر ست سنوات، فكان بوابته إلى الحياة، وأبدع في هذا الطريق ليصبح اليوم مدرساً ومعلماً لهذه الآلة، بعد تخرجه في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، ورئيساً لقسم الغيتار في معهد «صلحي الوادي»، مع تاريخ مملوء بالمشاركات الفنيّة في حفلات ضمن سورية وخارجها، إضافة للمشاركة في تسجيل أغنيات لنجوم الغناء العربي، كالسيدة «فيروز»، و«زياد الرحباني» وغيرهما، كما نجده جاداً في نشر ثقافة الموسيقا بين الناس ولا سيما الأطفال، وفي خصوصيّته الموسيقيّة نراه يبدع في المزج بين اللونين الغربي والشرقي ليمنحنا لحناً موسيقيّاً متجدداً، الفنان «طارق صالحيّة» يشاركنا أفكاره في هذا الحوار عبر «الوطن» ليحدثنا المزيد عن نشاطه في الموسيقا:
كان للموسيقي «طارق صالحية» حفلة في دار الأوبرا في دمشق مؤخراً بالاشتراك مع الفنانة «محرزية الطويل» والموسيقي «محمد السبسبي»، وكان للحفلة إيقاعها الناجح لدى الحضور والصدى الجميل في الوسط الفني والإعلامي، وعنها يقول: «جاءت فكرة الحفلة من عازف العود «محمد السبسبي»، وليست هذه المرّة الأولى التي نعزف فيها مع بعضنا – فوالد محمد الموسيقي «حسين السبسبي» هو صديقي في الأصل وعزفنا وعملنا مع بعض في السابق- وقد لاحظت – أنا ومحمد – أننا في حالة العزف نصبح كشخصٍ واحد، فهناك لغة كبيرة من الانسجام الموسيقي بيننا، على الرغم من صعوبة جمع هاتين الآلتين ضمن لوحة موسيقيّة واحدة، ولكن روحيّاً استطعنا العمل على جعلهما آلتين منسجمتين، وقد كنت أحضر بعد جولتي التدريسيّة يومياً وأنسى حالة التعب والإرهاق من خلال العزف مع «محمد»، وحاولنا الاجتهاد في التدريب مع الفنانة «محرزيّة الطويل» ومنها بروفا كانت على «الواتس آب» قبل قدومها إلينا من تونس، وما شجّعني على الحفلة هو صوتها الجميل، والطبقات التي تستخدمها أثناء الغناء، فهي مثقفة موسيقيّاً، وتعرف في المقامات الموسيقيّة، وفي فنّ الارتجال، والإيقاع، والنغمة، وكان الحفلة على قسمين الأول مقطوعات موسيقيّة والثاني بالمرافقة مع صوت الفنانة «محرزيّة»، وقد وضع برنامج الحفلة «محمد السبسي» أيضاً، وبقينا على تدريبنا إلى أن ظهرت الحفلة بالصورة الناجحة التي تابعتموها.
وعما يميّز هذه الحفلة وخصوصيتها كان إجابة الفنان «طارق صالحيّة»: «هي فكرة غير اعتيادية؛ بوجود ثلاثي: آلتي غيتار وعود، وصوت بشري، ومن دون مرافقة كونترباص أو بيانو أو أورغ، وهي فكرة جميلة فيها تحدّ، كما أن المسرح كان مملوءاً بالجمهور الذي تفاعل بقوّة معنا».
يضيف «صالحيّة» عن أهمية إقامة مثل هذه الحفلات اليوم: «لنا الشرف في تقديم حفلة على مسرح الأوبرا في دمشق، وقد تعاونوا معنا كثيراً إدارة ومنضمين، ودورنا اليوم كموسيقيين العمل على نشر الحبّ عبر الموسيقا، والحفلات، وهذا دورنا اليوم، ولا سيما نحن أبناء سورية، فقبل الميلاد بـ7 آلاف عام كان لدينا أوركسترات موسيقيّة على هذه الأرض، تقدّم الموسيقا، وكان هناك قادة إناث لها، وكثير من المنجزات الموسيقيّة السوريّة، ودورنا اليوم أن نستمر على هذا الدور، واليوم عندما نقدم حفلاتنا في زمن الحرب وتأتي الناس للمتابعة والاستماع، فهذا دور مهمّ لاستمرار الحياة والحضارة، وعلينا أن نبقى على قوتنا ومحبتنا ونضالنا هذا».
تجربة التدريس
يرأس الموسيقي «صالحيّة» قسم «الغيتار» في معهد صلحي الوادي، كما يعمل مدرساً في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، ومدرساً في مدرستي «البشائر» و«أبناء الشهداء»، وعن منهاج التدريس ومواكبة ذهنيّة الطفل: «منهاج تدريس الغيتار الكلاسيكي هو منهاج عالمي وموحّد، وهنا في سورية لا ندرّس بصورة عشوائية بل عن طريق أكاديمي، وهناك مدرسون سبقوني ودرّسوا الموسيقا بهذا المنهاج ومنهم الأساتذة: «مازن صالح»، و«وسيم غريواتي»، و«مازن جرجور»، وغيرهم. وفي تجربتي اليوم أعلّم الأطفال أيضاً عن طريق الأغاني في مراكز الإيواء، وإكسابهم القيم؛ من خلال الأغنية، والتحدّث معهم، والمناقشة ثم الغناء..».
الفنانون من سورية
عن التجديد وملاحظات حول المنهج التدريسي يضيف أيضاً: «اليوم أركز على تعديل بسيط ومهمّ جداً من خلال الحديث عن الموسيقيين السوريين أمثال: «محمد عبد الكريم» أمير البزق، و«غزوان الزركلي» عازف البيانو العالمي، و«كنان العظمة» عازف الكلارينيت العالمي، و«رشا رزق» المغنية ذات المستوى العالمي، وكذلك عن الراحلين مثل: «عبد الفتاح سكر» و«عدنان أبو الشامات» وغيرهم، فمن المفروض أن نسلّط الضوء على السوريين إن كانوا مغنين أو عازفين أو ملحنين».
حنين
شارك الفنان «طارق صالحيّة» في حفلات كثيرة في سورية وخارجها، لكن اليوم كثير الاهتمام بالحفلات التي تقام في سورية، فدور الفنان السوري اليوم أن يقاوم من خلال فنّه وثباته على أرضه، وعن إنتاجه الخاص يضيف بأنّه قدّم «C. D» موسيقياً مشتركاً مع الفنان «حسين السبسبي» وهو يتحدّث عن أعمال تراثيّة، ويتأسف لأن هذا العمل لم يسوّق له بصورة سليمة أبداً، أمّا عن أعماله اليوم فيقول: «اليوم أعمل على تطوير نفسي والعمل على تقديم نفسي بين القديم والحديث، ومن دون التأثر بما ينتجه الأتراك من موسيقا، واليوم خصوصيّتي في العزف أن أظهر كما أنا، بعيداً عن تقليد أحد؛ فأستفيد من الجميع ولكن أقدّم نفسي في العزف كما أنا بالتالي تولد حالة التطوير هنا».
التكريم الأجمل
لدى السؤال عن حالة التكريم، والتكريم الأجمل الذي يمكن أن نتحدث عنه اليوم أجاب: «كرّمتني بلدي كثيراً، والتكريم الأهمّ الذي أذكره عندما شاركت مع جوقة «الفرح» في حفلات أقامتها في أميركا في العام 2007 ولدى العودة كرّمتني بلدي بمنحي شعاراً اسمه «فخر بلدي»، فقابلتنا السيدة الأولى «أسماء الأسد» حينها، وقدّمت هذا الشعار، وهذا التكريم الذي أفخر به دائماً. ومؤخراً كرّمتنا دار الأوبرا السوريّة على الحفلة التي قدّمناها، من مدير الدار وهذا التكريم يحثني على العمل والعطاء بمحبّة أكبر لبلدي».
عن الأطفال والتربية
في سؤالنا عن الأطفال ورفع الذائقة الموسيقيّة وكيفيّة التعامل معهم ذكر الموسيقي «طارق صالحية» مجموعة من الأفكار أخذنا منها: «أولادي وطلابي أنصحهم بالانتقاء، فالاستماع للموسيقا يشبه تناول الطعام، وشراء الثياب، وانتقاء الأصدقاء، وهذا الأمر أركز عليه مع أطفالي في البيت والأطفال الذين أعلمهم الموسيقا أيضاً، فتولد كثير من المناقشات بيني وبينهم، وأسعى إلى استيعابهم في كلّ الأسئلة التي يطرحونها، وبذلك نفتح له مجالاً للتفهّم وللمعرفة».
نصيحة
وعن نصيحة أخيرة يقدّمها للقارئ، كانت: «ابتعدوا عمّا يسمعه الكبار، فلا شيء جميلاً يسمعونه مضمون لديكم، ولا بدّ من التفريق بين الصورة والصوت اليوم، فالفيديو كليب مهما كان متقناً لا يعني أن الأغنية جميلة، والكبار لا يملكون المقدرة عل الانتقاء السليم للغناء والصوت، وأملي أن يختلف طفلنا عنا، فيعمل على التفريق بين الصح والخطأ، وبين الموسيقا التي تحمل الفكر والروحانية والضجيج».