ثقافة وفن

إذا متُّ فهذا من قلة العمل … قمر مرتضى لـ«الوطن»: تقلّصي مستمر صحيّاً ووجدانيّاً وأعيش وحيدةً لا يسأل عني أحد

| عامر فؤاد عامر

ظهرت في مرحلة كان يعيب المجتمع فيها صعود المرأة على خشبة المسرح، لكنها أحبّت التجربة الأولى التي جعلتها أكثر تعلّقاً بحلمها، على الرغم من وظيفتها في التدريس والتعليم فهي مجازة في الفلسفة والدراسات الاجتماعية، ومعها دبلوم في التربية من جامعة دمشق، وبين مهنتها الرئيسة وحبّها للكاميرا شقّت طريقها متحديّة كل المصاعب، فكانت حاضرة في المسرح العسكري والقومي، وشاركت في عدّة مسرحيّات نذكر منها: «الأرض الطيبة»، و«عفاريت القرن العشرين»، وغيرها، وجسّدت عدّة أدوار في السينما السوريّة مثل: «أموت وأحبّك مرتين»، وكان آخرها في «الطحين الأسود»، واعتدنا عليها الأمّ والمضحية والحنونة في الدراما السوريّة في مسلسلات: «ليالي الصالحيّة»، و«العبابيد»، و«مرايا2000» وغيرها الكثير، إضافة إلى أعمالها في الإذاعة والدوبلاج، واليوم تقف الفنانة «قمر مرتضى» حائرة تسأل نفسها وتطرح مجموعة من الأسئلة عبر حوارنا لها في «الوطن» فهي تمضي وقتها وحيدة على أمل انتظار فرصة في أحد أعمال الدراما ولا تأتي وتقضي وقتها في منزلها بصحبة جوالها الذي يعدها بالرنين ولا يفي، وتقول لماذا كل هذا الانتظار، هل بت غير معروفة هذه الأيام؟! أم إن الزمن حكم علي بالمكوث في فراغٍ لا يودّ أحد أن يخرجني منه؟!.

إخلاص

في بداية اللقاء معها قدمت لي مجموعة من المقالات بأوراق صفراء قديمة كانت قد اجتزأتها من صفحاتها الأمّ وقالت لي: «كنت كلما أعجبت بمقال لأحد المفكرين السوريين أقصّه وأعلقه على جدران بيتي، فأنا أعتز بمن ولدتهم سورية… كان من بين المقالات التي لفتت انتباهي مقال بعنوان «التسامح مع العنف» للدكتور والمفكر «عادل العوا»، وآخر «عن الوجودية» للفيلسوف «جان بول سارتر»، وأيضاً مقال للدكتور والمفكر «عبد الكريم اليافي»، وعندما سألتها ماذا تقرئين في هذه الفترة؟ أجابتني أنا أحبّ الفلسفة فهي المادّة الغنية التي أتطرق إليها في وحدتي هذه الأيام، فأراجع الكثير من الكتب التي درستها منذ أيام الجامعة».

تلازم مهنتين
جمعت بين مهنتي التدريس والتمثيل وعلى الرغم من صعوبة التوفيق بينهما إلا أنها كانت مجدّة في إيجاد الحلول دائماً والتوفيق بين أمور كثيرة، وتقول الفنانة «قمر مرتضى» عن هذه الفكرة: «أنا من يستطيع التوفيق بين تلك المهنتين، وقد دخلت مجال التمثيل في مسرحية اسمها «مع الأحرار» وجسّدت دور الأمّ الجزائريّة فيها، ولعبوا بالمكياج كثيراً حتى يكون مظهري كمظهر أم حقيقيّة، وأديت الدور مع الفنان القدير «دريد لحام»، والفنان «نهاد قلعي» ومنذ ذلك الحين أحببت هذا المجال، بعدها التقيت المخرج «محمد شاهين» الذي كان ملازماً في الجيش العربي السوري، ويبني المسرح العسكري، وأنا كنت حينها موظفة في دائرة رسميّة؛ وعرض عليّ العمل في المسرح، ونصحني البقاء في وظيفتي والعمل في المسرح معاً، فوافقت على الأمر، وأذكر في مخيلتي بعدها الكثير من البروفات، والتدريبات، وعروض في المحافظات، وتكريمات في القطع العسكريّة، وكنت على رغبة أن أملأ وقتي بالعمل والنشاط والاجتهاد دائماً، أما الآن فأنا أمضي ساعاتٍ، وأياماً، وأشهراً، وسنوات من دون عمل للأسف! لذلك أجد نفسي في تقلّص مستمر على جميع الصعد ومنها صحيّاً ووجدانياً».

فراغ كبير
تقول الفنانة «قمر مرتضى» أثناء حديثها: «أنا سعيدة بهذا اللقاء لأنّني سأبوح بكلّ ما هو في خاطري، وخاصّة أنّني أحيا الآن في فراغٍ كبير وعميق جداً»، ثم تُكمل معنا في باب ذكرياتها: «في تلك المرحلة لم أكن قد نلتُ الشهادة الثانويّة بعد، فقد تمّ توظيفي لأني نلت الترتيب الأول في مرحلة الكفاءة، وتابعت تحصيلي العلمي ودخلت الجامعة، وأكملت دراستي، وواظبت على الدوام، والمحاضرات جميعها، فكنت أجمع بين دوامي في الوظيفة والجامعة معاً، وأدرس في البيت، وأحضر لليوم التالي، وكنت أشعر بالفرح في متابعة الدكتور «عادل العوا»، والدكتور «عبد الكريم اليافي» وغيرهما، فهناك متعة في الاستماع لهما، وكانا يمنحان الطلاب إرشاداتٍ وتوجيهات، وكنت أسجل كلّ الكتب التي ينصحاننا بها، وأبحث عن هذه الكتب وأوصي المكتبة الهاشمية بها للحصول عليها… ». ومن أجمل المواقف التي ذكرتها لنا في حياتها الجامعية هو قول للدكتور عادل العوا: «أذكر في السنة الرابعة – وكنّا 16 طالباً وطالبة – عندما قال لنا د. عادل العوا إننا بتخرجنا هذا نكون قد أمسكنا المفاتيح المعرفيّة، ولم نصبح عارفين بعد، ومن الآن علينا العمل على تثقيف أنفسنا، فليست الشهادة تعني أننا مثقفون بل هي محفز للانطلاق».

السفر والوطن
في تلك الفترة عملت الفنانة «قمر مرتضى» في مسلسل «أولاء» من إخراج «غسان جبري» لكنها اضطرت للسفر والعمل خارج سورية، وقد كان لديها الرغبة في زيارة مكة كما تقول، واشترطت أن يكون تعيينها هناك، وفعلاً وافقوا على ذلك وكانت مديرة «المدرسة الأولى» الثانوية للبنات هناك، والتي كانت بجانب الحرم، ومكثت في هذه المهمّة مدّة خمس سنوات، وتضيف أيضاً: «في فترة الإجازة كنت أعود إلى سورية، وفي المطار أقبل الأرض دائماً فهذا هو الوطن الذي يتقدّس، وكل شيء فيه هو ذكرى قابعة في داخلي، فالبيت، والشارع، والحديقة، والأماكن كلّها في ذاكرتي، وهذا هو مفهوم الوطن الذي لا يمكن أن ينسف مني».

الموت
«إذا متّ فهو من قلة العمل» وهذا ما قالته في جملة معترضة وصادمة! وجاء سؤالي لها لماذا قلة العمل؟ فأجابت: «أحياناً لا أكون في بال من يخرج وينتج، ومع مرور الوقت يتجاهلون أو ينسون أو لا مكان لي في كلّ ما يقدمونه من أعمال، وأحاول أن أذكرهم لكنني أخجل من فرض نفسي بهذه الطريقة، وأنا أعلم بأنني أملك صفتين سلبيتين هما الخجل والخوف، ولذلك أرمي الإعلام بأنه مقصر بالتواصل معي، فأنا لا أفرض نفسي وأخجل من تصرفات البعض، ولربما الإعلام هو من يجب أن يلقي الضوء على الفنان ويذكر به، أمّا عن الخوف فأنا أخاف من طرح نفسي بصورة خاطئة ومن الظهور بصورة غير لائقة».

شحّ الفرص
«متلهفة للعمل، وأحبّ العمل» هذه الكلمات التي رددتها في أكثر من موقع في هذا الحوار، ولكن ما الحكاية بالنسبة للعمل في الإذاعة والدوبلاج أيضاً، وقد أجابت: «حتى في الإذاعة أصبح الشهر يمرُّ ليكلموني مرّة أو لا، ودائماً يكرسونني لدور المرأة العجوز أو للدور القصير، على مبدأ أنني غير نافعة لحوارٍ طويل، لكن رصيدي كبير فكنت في برامج كثيرة كـ«حكم العدالة»، و«خزائن العرب»، و«يوميات عائلية»، و«ظواهر مدهشة»، وكذلك في الدوبلاج في مسلسلات كثيرة مثل: «سنوات الضياع»، و«الأوراق المتساقطة»، وغيرها».

نقاش المساحة
تحددت مساحة عمل الفنانة «قمر مرتضى» بمساحاتٍ صغيرة ولربما لظروف عملها في وظيفتها والتزاماتها في الحياة وعلى الرغم من ذلك أثبتت حضورها وتميزها وحول هذه النقطة تقول: «لا أهتمّ كثيراً لمساحة الدور بل المهم عندي أن يكون الدور له تأثير، ففي مسلسل « قاع المدينة» للمخرج «هشام شربتجي» كان دوري فيه مؤثراً جداً على الرغم من صغره، وكذلك في مسلسل «العبابيد» للمخرج «بسام الملا» وفي مسلسل «جرن الجاويش»، والكثير من الأدوار».

السينما
أيضاً في السينما السورية وبدايتها كان للفنانة «قمر مرتضى» حضورها، فهناك العديد من أسماء الأفلام مثل «الأبطال يولدون مرتين» و«سائق الشاحنة»، و«امرأة تسكن وحدها»، و«أموت وأحبك مرتين»، وآخر فيلم شاركت فيه كان فيلم «الطحين الأسود» للمخرج «غسان شميط»، أمّا عن مشاركتها في إنتاجات المؤسسة العامة للسينما الجديدة فلم تشارك في أي عمل وتقول إنها تتمنى العمل مع المخرج «عبد اللطيف عبد الحميد»، ومع المخرج «جود سعيد».

خاطرة
تقول أيضاً: «في كثير من اللحظات يكون مؤنسي هو القلم والكتابة، فأكتب بعض الأفكار وبعض الخواطر»، ومن بين هذه الخواطر كانت هذه الخاطرة عن الأمّ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن