سورية

موسكو تنتقد موقف «العليا للمفاوضات» وتؤكد أن إتفاق وقف العمليات القتالية «ليس على وشك الإنهيار» … توافق أميركي روسي على أن يتخذ السوريون بأنفسهم القرار حول مستقبل بلادهم

| الوطن – وكالات

بينما يبدو أن كلاً من واشنطن وموسكو توافقتا على الموقف القاضي بأن يتخذ السوريون القرار بشأن مستقبلهم بأنفسهم، انتقدت روسيا وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارض الذي أعلن تعليق مشاركته في الجولة الحالية من محادثات جنيف، معلنةً عن استمرار المحادثات بوجود أطراف المعارضة الأخرى. وأعربت موسكو عن أملها بأن تحقق الجولة «تقدماً رغم الخلافات القائمة»، كاشفةً أنها «لن تتفاوض مطلقاً» حول مسائل تتعلق بـ«بنية الهيكل المستقبلي للحكومة السورية».
وتمسكت الدبلوماسية الروسية باتفاق «وقف العمليات القتالية» معلنةً بخلاف المعارضين، أن الهدنة في سورية لا تزال «قائمة» وليست على «وشك الانهيار»، لكنها أعربت عن رفضها القاطع لمحاولات التنظيمات الإرهابية توسيع نطاق سيطرتها في سورية، وشددت على ضرورة الاستمرار في محاربة تلك التنظيمات، وذلك بالترافق مع الحوار السوري السوري في جنيف.
وبالترافق مع تصاعد الكباش الدبلوماسي حول حلب، كشفت روسيا أن واشنطن ترفض العمل على تحديد وفرز الإرهابيين في المحافظة، متهمةً كلاً من «العليا للمفاوضات» المنبثقة عن «مؤتمر الرياض» للمعارضة السورية، والولايات المتحدة بالتذرع بما يجري في حلب من أجل «عرقلة محادثات جنيف».
وبعد يوم من محادثات هاتفية أجراها مع نظيره الروسي، كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه أبلغ فلاديمير بوتين أن سورية «تتهالك بسرعة أكبر». وأضاف محذراً: «إذا لم تكن الولايات المتحدة وروسيا متناغمتين حيال الحفاظ عليها وتحريك مسار (الحل) السياسي و(المرحلة) الانتقالية فسنعود إلى الوضع الذي كنا عليه قبل ثلاثة أو أربعة أسابيع».
وتابع في مقابلة بثتها قناة (سي.بي.إس) الأميركية أول أمس، بحسب ما نقلت وكالة «رويترز»: «لن يخدم هذا مصالح أي منا». واستطرد معلناً أن الولايات المتحدة نظرياً لا تعترض على إصرار روسيا على أن تحتفظ الدولة السورية بهيكليتها. وأضاف: «ما كنا نختلف بشأنه باستمرار، وهذا كان صحيحاً على مدى ست سنوات، هو إصراره (بوتين) أنه لا يمكنه أن يدعم (قراراً) أحادي الجانب بإزاحة (الرئيس بشار) الأسد، لأن هذا القرار يتعين على (الرئيس) الأسد والسوريين أن يتخذوه». وسبق لرئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري أن أيد هذا الموقف. واللافت أن موقف أوباما يأتي عشية زيارته إلى السعودية التي لا تزال مصرة على تنحي الرئيس الأسد.
واتفق أوباما وبوتين في المكالمة الهاتفية التي وصفها البيت الأبيض بأنها «محادثة مكثفة» على التنسيق بين أجهزة المخابرات ووزارتي الدفاع في البلدين بشكل أكبر.
ومن موسكو، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أنه جرى خلال الاتصال الهاتفي «التأكيد على الحاجة إلى استمرار الحوار (في جنيف) والمحافظة على نظام وقف إطلاق النار».
وأكد بيسكوف في مؤتمر هاتفي مع الصحفيين أن الكرملين يدعو إلى متابعة المفاوضات في جنيف، معتبراً التفاوض شرطاً أساسياً للتسوية. وقال: «نعتقد أن (محادثات السلام) حالة ضرورية».
وحذر، بحسب موقع «روسيا اليوم»، من أن المنظمات الإرهابية تحاول السيطرة على عدد من المناطق في سورية. وقال: «نأخذ بعين الاعتبار أن الوضع ليس بسيطاً في مفاوضات جنيف، لكن الوضع ليس بسيطاً أيضاً في عدد من المدن السورية، حيث تحاول منظمات إرهابية فرض سيطرتها على هذه المناطق أو تلك». وأضاف: «نعتبر بلا شك أنه لا يمكن السماح بهذا، كما لا يمكن التوقف عن محاربة هذه المنظمات الإرهابية».
وفي ذات السياق بحث الرئيس الروسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مختلف جوانب الأزمة السورية في إطار التنسيق المحتمل للجهود المشتركة لتسويتها، بحسب ما أفاد المكتب الإعلامي للرئاسة الروسية، والذي بين أن الجانب القطري هو من بادر إلى الاتصال.
وبدوره، أشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في تصريح للصحفيين أمس إلى الولايات المتحدة ترفض العمل على تحديد وفرز الإرهابيين في حلب، موضحاً أن جوهر مشكلة المناطق المحيطة بحلب هي «عدم رغبة الولايات المتحدة وهياكلها المعنية بالعمل فعلاً على الفصل والتمييز بين الإرهابيين وبين المعارضين، الذين هم في المناطق التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية».
وحول ما إذا كانت روسيا ستستجيب لدعوات الغرب بهدف التأثير على الحكومة السورية لتهدئة الوضع في منطقة حلب، قال ريابكوف: «أنا لا أتفق أبداً مع صيغة السؤال بأنه يجب علينا أن نبدي الضغط على الحكومة السورية من أجل تغيير الوضع في منطقة حلب»، وعوضاً عن ذلك أشار إلى اعتقاده بأن «الولايات المتحدة والمعارضة السورية استخدموا الوضع حول حلب لعرقلة عملية المحادثات في جنيف، فهي وبدلاً من التعامل بجدية مع المعلومات التي قدمناها حول انتهاكات وقف الأعمال القتالية قدمت مطالب مسيسة تهدد في واقع الأمر بتعطيل عملية الحوار». واستطرد قائلاً: «يجري الآن تسييس مسألة حلب لأقصى حد كما يجري تسييس مسائل إيصال المساعدات الإنسانية دون أي أسباب حقيقية تذكر».
وأكد ضرورة الالتفات إلى آلية الحوار المكثف بين روسيا والولايات المتحدة حول سورية. وبين أن العسكريين الروس والأميركيين «يقومون بالعمل وفق إحداثيات وخرائط عسكرية»، وأضاف: «نحن نشرح كيف، وماذا يحدث، وفق فهمنا لأماكن وحالات وقوع انتهاكات وقف الأعمال القتالية» في سورية، ولفت إلى «وجود خطة مدروسة لحل المسائل المتعلقة بانتهاك وقف الأعمال القتالية» وأكد أن الانتهاكات «أصبحت مؤخراً أقل بكثير مما كانت عليه في المرحلة الأولى».
وأعرب ريابكوف عن أمل موسكو بأن تحقق الجولة الحالية من الحوار السوري في جنيف تقدماً رغم الخلافات القائمة، مؤكداً أن روسيا «لن تتفاوض مطلقاً مع أي أحد حول مسائل تتعلق ببنية الهيكل المستقبلي للحكومة السورية أو بأي من الشخصيات التي ستشغل هذه الوظيفة أو تلك لأن هذا السلوك يتعارض مع النهج الذي تتبعه في مهمة هذه المحادثات بالذات». وأردف بالقول: «بالنسبة لمستقبل الرئيس بشار الأسد، أؤكد مرة أخرى، أن هذا ليس موضوع مفاوضات تشارك فيها روسيا الاتحادية».
من جهته، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أن روسيا والولايات المتحدة تبحثان من خلال قنوات خاصة الوضع حول مدينة حلب وكيفية الحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية. وقال: إن «من المهم أن تضبط كل الأطراف نفسها وتساعد على تعزيز وقف الأعمال القتالية، دون عواطف زائدة أو تنبؤات بشأن انهيار كل شيء». وأشار غاتيلوف في مقابلة مع وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء إلى أن «موسكو لا ترى أن وقف الأعمال القتالية على وشك الانهيار، فهو قائم عموماً رغم حدوث بعض الانتهاكات وهو أمر لا مفر منه في الوضع الحالي».
وإلى جنيف، انتقد المندوب الروسي الدائم في المقر الأوروبي للأمم المتحدة أليكسي بورودافكين تعليق وفد «الهيئة العليا» مشاركته في محادثات جنيف، واصفاً القرار بـ«الخاطئ»، والأسباب التي تذرع بها الوفد بغير المقنعة على الإطلاق». وأعرب عن أسفه لانتصار المتطرفين في الوفد و«الذين لم يرغبوا من البداية في إجراء أي مفاوضات، وقدموا شروطاً مسبقة وإنذارات أخيرة، والذين في الحقيقة لا يزالون يعولون على استمرار النزاع المسلح الدموي في البلاد»، كما أسف لأن «بعض» دول المنطقة، من دون أن يسميها، تدعم أولئك المتطرفين.
وشدد بورودافكين على أن المفاوضات «ستستمر»، مع وجود مجموعات القاهرة وموسكو حميميم، لافتاً إلى أن مواقف هذه المجموعات «متقاربة إلى حد كبير»، وأكد أن هذه المجموعات تمثل جزءاً من المعارضة المعتدلة السورية يمكن التوصل إلى اتفاق معها، وتوقع أن تحدد تلك المجموعات، «الاتجاه العام للمفاوضات إضافة بالطبع إلى وفد الحكومة السورية». وأشاد بالوفد الحكومي مؤكداً أنهم «يتصرفون في المفاوضات بشكل بناء جداً وموظفون أمميون ومراقبون يعترفون بذلك. أنهم مستعدون جيداً للمفاوضات ويجرونها بكل الصراحة ويسعون إلى تحقيق نتائج إيجابية».
واعتبر الدبلوماسي الروسي أن حل الأزمة الإنسانية في سورية «بشكل كامل» ممكن فقط بعد وقف إراقة الدماء والتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن