الأولى

الانقلاب الأميركي وتداعياته الحارة

| بيروت – محمد عبيد 

ماذا يعني أن توحي الولايات المتحدة الأميركية للمراجع الأممية المعنية بجديتها في السعي لمتابعة مسار الحل السياسي والحفاظ على صيغة وقف الأعمال القتالية في سورية، وفي الوقت نفسه تُفجِر أو على الأقل تُغطي خرق المجموعات الإرهابية المسلحة لتلك الصيغة في توقيت مشبوه يتزامن مع محاولة إعادة استئناف مفاوضات الحل السياسي في جنيف3!
هي معادلة أميركية تقليدية وليست خارج السياق المألوف والمعروف عن السياسة الخارجية القائمة دائماً على تحريك أوراق القوة الكامنة في أدراج أذرع الإدارة الأميركية الديبلوماسية والاستخبارية والعسكرية. لكنها قد تكون مفاجئة للذين راهنوا على ما أشيع عن تسوية أميركية-روسية خفية يتم تمريرها تدريجياً وفق أجندة زمنية وسياسية كانت أولى خطواتها الإعلان الروسي عن سحب جزءٍ كبيرٍ من قوات موسكو العسكرية من الأراضي السورية.
غير أن الواقع أن واشنطن ومعها حلفاؤها الإقليميون فوجئوا سابقاً بقرار القيادة الروسية المشاركة في الحرب السورية على الإرهاب، ولم تُمكِنهم هذه الصدمة من التقاط أنفاسهم وخاصة أن الحركة الروسية كانت كبيرة جداً على مستوى التحشيد العسكري النوعي الإستراتيجي وبالأخص منه الجوي، وسريعة جداً أيضاً من جهة القدرة على النيل من البنى التحتية للمجموعات الإرهابية وتعطيل حركتها بين المحافظات السورية التي تحتل بعض أريافها. لذا كان من الطبيعي أن تبادر الولايات المتحدة الأميركية إلى التراجع خطوة إلى الخلف بهدف استيعاب هذه الصدمة وإعادة استجماع قوتها وقوة حلفائها للانقضاض مجدداً على الإنجازات السورية والحليفة التي سَهَلت عملانياً وسَرَعَت زمنياً المشاركة الروسية تحقيقها. لكن الأمر لم يطل كثيراً، فقد أتت عملية إسقاط النفاثة العسكرية الروسية على يد مقاتلات تركية (أطلسية) كتحذير أول لموسكو حول الحدود الجوية-الأرضية التي يمكن للاندفاعة الروسية أن تَبلُغَها أو تلعب خلف خطوطها، وخصوصاً أن المقاربة الأميركية لهذا التصادم الروسي-التركي لم تتجاوز إصدار بيان تقليدي حول الدعوة إلى ضبط النفس وإجراء الاتصالات الثنائية مع الأطراف المعنية! غير أن موسكو أكملت اندفاعاتها هذه بملامسة خط النار مع الحلف الأطلسي وبتوسيع رقعة انتشارها العسكري على الأراضي السورية بهدف تثبيت نقاط تفوق ميداني تسمح بتكريس ثوابت القيادة السورية الشرعية على طاولة المفاوضات من جهة وحدة سورية وماهية نظامها الجمهوري والحفاظ على مؤسسات الدولة الشرعية وبالأخص منها الجيش العربي السوري إضافة إلى حق الشعب السوري وحده في اختيار رئيسه وتغيير أو تعديل دستور وطنه.
إذا، ووفقاً لهذه الوقائع استطاعت سورية بدعم حلفائها أن تُسقِطَ أهداف العدوان الدولي-الإقليمي عليها وتحديداً فيما يتعلق بتغيير موقع سورية القومي في مواجهة كيان العدو الإسرائيلي والمشاريع الأميركية ودورها كركيزة أساسية وإستراتيجية لمحور المقاومة في توازنات المنطقة والعالم، وهو أمرٌ شكل صدمة ثانية لواشنطن وحلفائها. لذا كان بديهياً، وعلى الرغم من كل ما قيل حول حاجة الإدارة الأميركية «الديمقراطية» إلى فترة تجميد للعمليات القتالية قبل آب المقبل ترافقها آلية للحفاظ على مسار التفاوض لأجل التفاوض، أن تبادر الولايات المتحدة الأميركية إلى استباق ذلك التجميد بمحاولة تعديل موازين القوى في الميدان بما يضمن تعادلها مع موسكو وبما يُمَكِنُ إدارتها الجديدة من استئناف دورها في الأزمة في سورية من موقع المتعادل على الأقل. على هذا الأساس، عاودت تحريك خط النار على تخوم الريف الحلبي باتجاهاته كافة بهدف توسيع رقعته وإطفاء وهج الانتصار الكبير والنوعي في تدمر.
تؤكد مراجع سياسية «مقاوِمة» أن القيادة الروسية تعيش مرحلة تسخين جديدة بعدما نكثت واشنطن بالتفاهمات العامة وكذلك الموضعية التي من المفترض أنه تم الاتفاق عليها والإعلان عنها من الطرفين معاً، وها هي الإدارة الأميركية تسعى للانقلاب عليها. وإن القيادة الإيرانية أيضاً تتجه نحو التخلي عن سياسة الاستيعاب التي اعتمدتها على الصعيد الإقليمي منذ فترة طويلة وخصوصاً أن اللاعب الأميركي يحاول تطويق إيران بالوساطة بعدما أخفق في احتوائها إثر توقيع الاتفاق النووي.
هو صيف حار لن يبرده التجميد المهزوز عسكرياً والذي تفاعل سياسياً في أروقة جنيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن