ثقافة وفن

الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة تعيد إحياء الموشح السوري بطريقة احترافيّة … عدنان فتح اللـه: توثيق التراث السوري من مهام الفرقة الوطنيّة .. سيلفي سليمان: الملحن «حسان اسكاف» قدّم لي موشحاته منذ 10 سنوات

| عامر فؤاد عامر

يعدّ الموشح نوعاً من أنواع الفنّ الشعري الغنائي، وله نظمه وقواعده الخاصّة من بين أنواع الشعر الغنائي، وتذكر المصادر أن الموشح الغنائي من أصل سوري، ونشأ لدى السريان القاطنين في سورية، ومعنى كلمة موشّح السريانيّة الأصل هو «إيقاع المزمار»، ومن المشرق انتقل هذا الفنّ إلى الأندلس ليحيا مرحلة من التطور والانتشار هناك وفي المغرب العربي، وفي خطوة مهمّة ورشيقة قدّمت الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة حفلتها الخاصّة بالموشّح السوري، لتضيف من جديد للمكتبة الموسيقيّة السوريّة إضافة غنيّة ومهمّة.

موشّحات…
بدأت الفرقة حفلتها بمعزوفة سماعي نهوند من تأليف الموسيقي «كمال سكيكر» تلاها موشح «يمر عجباً»، ثم أدت المغنيّة «سيلفي سليمان» موشحات «ريم رماني»، و«يا تاركي ثملاً»، و«غنّي للسُّمّار عني» وهي من ألحان الراحل «حسان اسكاف»، بعدها أدى كورال الفرقة موشح «قلت لما غاب عني» من ألحان الراحل «عمر البطش» وتوزيع قائد الفرقة «عدنان فتح اللـه»، وموشح «فيك كلّ ما أرى حسن»، وموشح «عاذلي كف الملامة» وهو من ألحان «عبد الرحمن جبقجي»، بعد ذلك أدى المغني «محمود الحداد» موشحات «لم يكن هجري حبيبي»، و«عذبوني» وأيضاً موشحات «بدت من الخدر»، و«بين قاسيون وربوة وسبحان من صور» وموشح «يا غزالاً قد جفاني» بالاشتراك مع كورال الفرقة وهو من ألحان «بهجت حسان» وتوزيع «شعلان الحموي» وموشح «الورد بخدك والخجل» من ألحان الراحل «عدنان أبو الشامات» وتوزيع «كمال سكيكر».

إضافة نوعيّة
تشكل الحفلة امتداداً لنشاط الفرقة في أهدافها التي أشرنا إليها في مقالٍ سابق، لكن ما عنصر التجديد فيها من حيث الموسيقا المختارة، والأصوات التي اعتمدتها، ومن حيث برنامج وشكل الحفل؟ كلّ هذه الأمور أجابنا عنها قائد الفرقة الوطنية السوريّة للموسيقا العربيّة الفنان «عدنان فتح اللـه»: «تعتمد الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة في حفلاتها على أعمال موسيقيّة تخدم خطّتها في تطوير الموسيقا السوريّة خصوصاً، والغربيّة عموماً سواء من ناحية عرض تجارب إبداعيّة جديدة في هذا الخصوص أو من خلال توثيق التراث السوري من ناحية أخرى، وفي هذا الحفل بالتحديد قدّمت الفرقة مجموعة من الموشّحات السوريّة التي أداها كورال الفرقة، وبعضهم من مغني الصولو، مثل المغنية «سيلفي سليمان»، والمغني «محمود الحداد»، وكان الهدف هنا توثيقياً مع إضافة أغنية صوتيّة جديدة؛ من خلال التوزيع الأوركسترالي الذي لعب دوراً مهماً في عرض الموشّح مع التأكيد والحفاظ على صبغة الموشح وطبيعته الشرقيّة، ويتطلب هذا النمط من الغناء مقدرات صوتيّة عالية، وتقنيّات خاصّة، إضافة إلى مستوى عالٍ من الثقافة السمعيّة الموسيقيّة، وهنا كانت أسباب اختيار المغنيّة «سيلفي سليمان» والمغني المتميز «محمود الحدّاد» إضافة إلى أنّهما من مغني كورال الفرقة في الأصل، وهذا ما اعتمدته الفرقة من حيث إنه في حال وجود مغنين عالي الاحتراف في كورال الفرقة فيجب اختيارهم في حالة الغناء المنفرد. أيضاً في تراثنا الموسيقي السوري يوجد الكثير من الموشحات المميّزة لحناً وكلاماً، وهنا كان لا بد من البحث عن بعضها، وتقديمه، وتوثيقه في هذا الحفل، والتعريف بموسيقيين مهمّين برعوا في تلحين الموشّح، وغنائه، فقدّمت الفرقة موشّحاتٍ لـ«عمر البطش»، ولـ«عبد القادر حجّار»، ولـ«بهجت حسان»، ولـ«حسّان اسكاف»، ولـ«عدنان أبو الشّامات».

فكر وفنّ
حملت الحفلة رسالة فكريّة إضافة للرسالة الفنيّة فقد بات من المعروف أن الفرقة الوطنية السوريّة للموسيقا العربيّة لها مقصد من نشاطاتها يدور في نشر هذا الوعي الفني والمعرفي بين الناس وعلى وجه الخصوص في سورية، وحول هذه الفكرة يجيبنا قائد الفرقة الأستاذ «عدنان فتح اللـه» أيضاً: «الرسالة كانت من هذا الحفل هي رفع ذائقة الجمهور لهذا القالب الغنائي (الموشح) والتعريف على ماهيّة الموشّح السوري، وتقديمه بالطريقة الأكاديميّة التي تُعنى بالتفاصيل، والأهمّ هو التوثيق المدروس لهذه الموشّحات، والعمل على المحافظة عليها من الاندثار حيث تعتبر هذه الأعمال بمنزلة كنوز تدلّ على عراقة تاريخنا الموسيقي، وعراقة الموشّح السوري. أمّا من الناحية الفنيّة فإن أداء هذه الموشّحات من كورال مؤلّف من 20 مغنياً ومغنية هو أمرٌ ليس بالسهل، وإضافة إلى التوزيع الأوركسترالي، وصنع نسيج موسيقي لهذا القالب يعدّ من الأمور الصعبة، ويحتاج إلى دراسة معمّقة لعدم المسّ بخصوصيّة الموشّح، وكلّ هذا دليل على عراقة المؤسّسات الأكاديميّة الموسيقيّة السوريّة كالمعهد العالي للموسيقا، ومعهد صلحي الوادي للموسيقا».

سيلفي سليمان
من مواليد 1973، تخرجت في المعهد العالي للموسيقا 2000 -2001 في اختصاص آلة رئيسة قانون وآلة ثانوية إيقاع، شاركت مع الفرقة السيمفونية في حفلات عديدة كعازفة منفردة على آلة القانون في سورية ولبنان، شاركت مع الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية كمغنية إفراديّة وكورال، ومع فرقة أبو خليل القباني، وأوركسترا طرب، والتخت الشرقي النسائي السوري، وجوقة الفرح، في عدّة بلدان عربية وأجنبية منها: «مصر، وتونس، والمغرب، وسلطنة عُمان، والبحرين، والأردن، والإمارات، وقطر، ولبنان، وتركيا، وإيطاليا، وفرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، وأستراليا، وأميركا وروسيا». عملت في حقل التدريس على آلة القانون في معهد صلحي الوادي، ومساعدة مُدرسة في المعهد العالي للموسيقا في دمشق لآلة القانون، ومُدرسة لمادّة الغناء لطلاب السنة الأولى في المعهد العالي للفنون المسرحيّة. وعن خصوصيّة هذه الحفلة التي شاركت فيها الفنانة «سيلفي سليمان» تقول: «شاركت في حفلات كثيرة سابقاً لكنني كنت أغني فيها الطرب وأغنيات للفنانة أم كلثوم أو وردة الجزائريّة أو ميادة الحناوي وغيرهنّ، لكن أن أشارك في حفلة مختصّة بالموشّح السوري كاملة، فهذه هي المرّة الأولى لي، وأعدّها تجربة جميلة أضافت لي وأغنت تجربتي، وفي هذه الحفلة أديت 3 موشحات لمؤلفها الفنان «حسان اسكاف» والتي قدّمها لي منذ قرابة 10 سنوات سابقة».
عن أهمية الحفلة وتقديم مثل هذه الحفلات للجمهور السوري تضيف الفنانة «سيلفي سليمان»: أعتقد أن التذكير بهذه الموشحات رجع الناس لزمن الطرب والأصالة وإثبات أن مثل هذا الفنّ لا يمكن أن يندثر أو يموت، وإلى اليوم أفاجأ بأن موشحات جميلة وعريقة جاءت من ألحان موسيقيين سوريين حملت كل الغنى والجمال والاحتراف، وأودّ من خلال «الوطن» أن أوجه شكري للأستاذ «عدنان فتح اللـه» الذي يمنح الفرصة للأكاديمي وغير الأكاديمي في الظهور والغناء بأفضل صورة ممكنة وأيضاً لولا إدراكه لأهمية الموشح السوري لما أضاء عليه مرتين خلال فترة زمنية قصيرة».

محمود الحداد
الفنان «محمود الحدّاد» من مواليد دمشق 1989 يدرس في كليّة التجارة والاقتصاد في جامعة دمشق، عضو متمرّن في نقابة الفنانين في ريف دمشق، مغني كورال مع الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة بقيادة الأستاذ «عدنان فتح اللـه»، مغني كورال مع فرقة أساتذه صلحي الوادي بقيادة الأستاذ «عدنان فتح اللـه»، مغني صولو وكورال مع أوركسترا نقابة الفنانين بقيادة الأستاذ باسل صالح، مغني صولو وكورال مع جوقة متطوعي الهلال الأحمر العربي السوري، تطوع في العديد من الحفلات الخيريّة. وعن الجديد الذي قدّمته هذه الحفلة مقارنة بالحفلات التي شارك فيها سابقاً يقول: «عنوان الحفل «التوشيح السوري» وهدفه بالضبط تأكيد فكرة: أن تلحين قالب الموشح هو نتاج جهد ملحنين سوريين، وقد انتشر من سورية إلى الوطن العربي كلّه، وحمايةً لهذا الفنّ من الانقراض والضياع قمنا بتقديمه بطريقة حديثة وأسلوب متجدد اعتمد على التوزيع الأوركسترالي، والهارموني، ويعود الفضل في ذلك للمايسترو «عدنان فتح اللـه» وهو من المهتمين بهذه الصيغة في تقديم التراث والمحافظة عليه من الضياع».

جمهور في تزايد
أمّا عن ردّة فعل الجمهور، فقد لاحظنا توافد عدد كبير من المهتمين والمتابعين للحفلة، وهذا دليل على زيادة الاهتمام من الجمهور المهتم بالموسيقا السوريّة، فقد كان هناك تعليق للفنان «محمود الحداد» فقال: «لفت نظري وجود عدد كبير من الشباب الذين حضروا الحفلة على الرغم من صعوبة الاستماع لهذا النوع من الموسيقا بالتحديد، فقد بقي لفترة طويلة حكراً على المتخصصين بالشأن الموسيقي، وهذا ما يدلّ على أن الجمهور في سورية يتمتّع بذائقة فنيّة عالية، ومتجددة، إضافة إلى وجود عدد من كبار السنّ ( السميعة) المتعطشة لهذا النوع الذي بات مهدداً بالضياع، وعموماً أصبح لدار الأوبرا في دمشق جمهورها الخاصّ بها، والمخلص للأعمال التي تقدّم على مسرحها، ويلاحظ تزايد مستمر لهذا الجمهور خاصّة في ظل الظروف التي مرّت بها سورية، وأعتقد أن نسبة المتابعة الأكبر هي من طلاب الجامعات. باختصار أنا أرى أن تقديم التراث بهذه الطريقة الاحترافيّة يقرّب لغة الفنّ من أذن المستمعين الشباب الذين اعتادوا الاستماع لأنماط موسيقيّة حديثة وغربيّة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن