ثقافة وفن

السنغال وما أدراك ما السنغال!؟…«يا ربي دخيلك الآن اكتشفتُ أن المسجد الأقصى المحتل من عام ١٩٦٧ ليس من مقدسات المسلمين فعذراً»

شمس الدين العجلاني:

ضخ إعلامي كبير ومتسارع، عن عاصفة الحزم وشقيقتها غير الشرعية عاصفة الأمل، جيوش ومرتزقة ودولارات، طائرات وتهديم وتخريب.. والاعتداء مستمر على اليمن ليطال البشر والحجر..
كل صباح ومساء، وكل دقيقة وثانية تأتينا أخبار النظام السعودي عن تجنيد مرتزقة جدد لتدمير اليمن من دول تبعد آلاف الأميال عن اليمن، وأكثر ما أوقفني وأدهشني وآلمني ما تناقلته وكالات الأنباء والصحف عن مشاركة جنود سنغال بالاعتداء على اليمن، والمرتزقة السنغال لا أحد يعرفهم أو يعرف إرهابهم مثل أهل الشام!؟

مرتزقة سنغال
أدارت السعودية وجهها نحو الأفارقة لتجندهم في حربها ضد اليمن، وخاصة بعد رفض الباكستان المشاركة في هذه الحرب المجنونة برغم كل الإغراءات التي قدمها نظام الـسعود لها، لقيت دعوة السعودية موافقة السنغال على إرسال 2100 جندي مرتزق للمساهمة في قتل وتشريد الشعب اليمني في عملية عاصفة الحزم وشقيقتها غير الشرعية عاصفة الأمل، وقيل: إن أجرة هؤلاء السنغال 500 مليون دولار!! وتشير التقارير إلى أن القوة السنغالية تتشكل من فيلق من المظليين وفرقة خاصة مدرعة، سوف تصل إلى الحدود اليمنية – السعودية، وأن القرار جاء استجابة لطلب النظام السعودي «وكله بثمنه» بعد زيارة قائد الأركان السنغالي، الجنرال مامادو صو إلى السعودية، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، للاطلاع على الوضع الميداني هناك.
وكان مانكير ندياي، وزير خارجية السنغال أكد، أن داكار سترسل 2100 جندي إلى السعودية للانضمام إلى تحالف يقاتل المتمردين الحوثيين في اليمن، مضيفاً في كلمة أمام البرلمان السنغالي أن المشاركة السنغالية في التحالف، «تهدف إلى حماية وتأمين المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، وأن الرئيس قرر الاستجابة لهذا الطلب بنشر كتيبة من 2100 جندي في الأراضي السعودية المقدسة».
وللحقيقة نقول إن هؤلاء السنغال «لا يحرِّمون ولا يحلِّلون» إنهم جنود إرهابيون سفاحون قتلة مجرمون يطيعون سيدهم «الدولار» طاعة عمياء ومن مهازل الزمن أن النظام السعودي يملك الدولار!؟ فهل «تستعمل» السعودية هؤلاء السنغال لسفك دماء أهل اليمن في هجوم بري تُعد له!؟ وتعيد تاريخ الذبح والقتل من الجنود السنغال في البلاد الشامية تعيده إلى اليمن المبارك!؟

السنغال وسورية
لا أحد يعرف همجية المرتزقة السنغال مثل أهل الشام، لا أحد يعرف مدى بعدهم عن الدين وجهلهم بالقيم الأخلاقية والإنسانية مثل أهل سورية..
والآن هؤلاء المرتزقة السنغال استأجرتهم السعودية لقتل وذبح الشعب اليمني، وتهديم وتخريب ما عجزت عنه «عاصفة الحزم» في اليمن السعيد تحت أسباب واهية لا تقنع الطفل الصغير.
كانت فرنسا السباقة لاستئجار الجنود المرتزقة من الدول الإفريقية وخاصة السنغال منهم، وكانت أبرز مجموعة من المقاتلين الأجانب المرتزقة الذين حملوا السلاح الناري والأبيض في الشرق الأوسط مجموعة «الفيلق الفرنسي» التي تشكّلت في القرن التاسع عشر لتكون في طليعة الجيش الفرنسي خلال مغامراته العدوانية والاستعمارية في الخارج. والمعروف عن جيش الانتداب الفرنسي الذي احتل سورية في 24 تموز عام 1920م أن أغلبية عناصره من المرتزقة وخاصة من السنغال والبلغار والألمان والمغاربة.. وكان الهدف الرئيسي لهؤلاء المرتزقة مادياً، لذا كانوا ينفذون أوامر المستعمر الفرنسي دون قيد أو شرط، وكان يطلق عليهم في سورية في عهد الانتداب الفرنسي اسم «فرقة الأغراب».

فرقة الأغراب
أطلق على الجنود الأجانب العاملين في صفوف قوات المستعمر الفرنسي في سورية اسم «فرقة الأغراب» أو فرقة «الأجانب».
عمل ضمن صفوف هذه القوات، قدامى الجنود المُسرّحين من الجيوش النظامية في العديد من دول العالم، والأشخاص الذين يطلق عليهم اسم «خريجو السجون» وهنالك أيضاً المرتزقة الذين كان هدفهم مادياً.. وارتكب هؤلاء المرتزقة الجرائم الفظيعة بحق أبناء سورية، ولم يزل أجدادنا وجداتنا يروون لنا جرائم الاعتداء على البرلمان السوري عام 1945م والجرائم التي ارتكبها الجنود السنغال بحق حامية البرلمان.
أطلق الفرنسيون على جيشهم اسم جيش المشرق الفرنسي وكان الدعامة الرئيسية لنظام الدفاع والأمن في العهد الفرنسي، فقد ضم حشداً من الكتائب وعدداً من سرايا المدفعية وتشكيلات من المهندسين والطيران جاءت من فرنسا، فقد سحب القسم الأعظم من الرجال ببزات رسمية فرنسية من الإمبراطورية الاستعمارية في شمالي إفريقية ومدغشقر وقبل كل شيء من السنغال، وكانوا تحت إمرة ضباط فرنسيين. عرف من التشكيلات العسكرية للمستعمر الفرنسي العديد من الفرق للمرتزقة، فكان هنالك فرقة «السباهين» وهي من المغاربة وكانوا عنيفين على المتظاهرين حسب قول المحامي والأديب نجاة قصاب حسن، وكان هنالك جنود الهند الصينية، وكان للمرتزقة السنغال اليد الطولى للمستعمر الفرنسي في البطش والإرهاب لأنهم كانوا جنوداً مطيعين دون تردد ولا تمييز، ومن عجائب هؤلاء السنغال أنهم كانوا يعتقدون بأنهم «يمدِّنون» أهل دمشق!!!
المرتزقة في سورية
كانت أول معرفة للجنود المرتزقة في العصر الحديث في سورية حين اندلعت ثورة الشيخ صالح العلي، في الساحل السوري ضد المستعمر الفرنسي عام 1919 م، حيث أرسل المستعمر الفرنسي إلى المنطقة الساحلية والجبال السورية قواته مع عدد من جنود فرقة الأغراب لقمع ثورة الشيخ صالح العلي، وعلى إثر معركة «قصابين» الواقعة شرقي قلعة الخوابي التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن طرطوس والتي خاضها الشيخ صالح العلي ضد هذه القوات المستعمرة، استطاع أسر أربعة جنود مرتزقة من العاملين في جيش المستعمر الفرنسي.
وفي نيسان من عام 1919 م حين هاجم الوطنيون أحد المخافر الفرنسية الذي كان يقع على بعد ثلاثين ميلاً من اللاذقية قام على صد هذا الهجوم خمسون من الرماة الجزائريين التابعين للفيلق الثالث.
وكان هنالك فرقة الأغراب بشكل دائم في مدينة اللاذقية بتاريخ 21 أيلول عام 1927 م كانت قوات المستعمر الفرنسي في سورية تضم من القوات المرتزقة التي جندها الفرنسيون وهم: مفتشية، 6 كتائب، 4 سرايا، 3 سرايا هجانة، سريتا هندسة، 7 فصائل مستقلة موضوعة تحت تصرف الخدمات ومدرسة عسكرية.
وفي عام 1928 م كانت قوات المستعمر الفرنسي في سورية تشمل، كتيبة قناصة و22 سرية خفيفة.. إضافة لذلك ألحق الفرنسيون بقوات جيشهم، فيلقاً سورياً من القوات الخاصة قوامه من المرتزقة المحليين، وضم عام 1924 م نحو 6500 عنصر يقودهم 137 ضابطاً فرنسياً و48 ضابطاً من السكان المحليين. أُخضع هذا الفيلق إلى إشراف دقيق من جانب الضباط والرقباء الفرنسيين، كما قسموا الفيلق إلى قسمين، الأول سموه الجوقة السورية والآخر سموه الحرس السيار « وهم الخيالة »، وقدر لهذا الفيلق فيما بعد أن يكون نواة الجيش الوطني والتحق عدد من ضباطه وجنوده السوريين بالثورة على الفرنسيين.
عندما قامت سلطات المستعمر الفرنسي بتاريخ 20-7-1925 بتجهيز حملة عسكرية بقيادة الفرنسي نورمان بغية دخول مدينة السويداء، كان فيلق الصباحيين المراكشيين الثاني عشر ضمن هذه الحملة.
كما تضمنت أيضاً حملة غاملان على السويداء في 23 و24 أيلول عام 1925 اللواء الخامس من الفيلق الأجنبي الرابع، اللواء الأول من فيلق الرماة الإفريقيين الثامن عشر، اللواء الثاني من فيلق الرماة الإفريقيين الحادي والعشرين، الكتيبة الأولى من اللواء الثاني من فيلق الرماة الإفريقيين الحادي والعشرين، اللواء الثاني من فيلق الرماة السنغاليين السابع عشر، فيلق الرماة التونسيين (3 ألوية).

المرتزقة في معركة ميسلون
صباح يوم 20 تموز من عام 1920م، تبلغ الجنرال غوابيه من الجنرال غورو أمر المسير لاحتلال دمشق، وتحركت قطعات الفرقة الثالثة، والمؤلفة من:
– لواءين للرماة السنغاليين بقيادة الجنرال بوردو. فوج مشاة من اللواء 415 بقيادة العقيد ريوكروا. لواء الفرسان المراكشيين بقيادة العقيد ماسيه مع كوكبة من الخيالة الخفيفة.
– لواءين من فيلق الرماة الإفريقيين بقيادة المقدمين آبوت وباولتي وبطارية مدفعية من عيار 155 وبطاريتين ونصف من عيار 65 جبلية، سرية دبابات، فوج هندسة وسرية طائرات.

نجاة قصاب حسن والسنغال
يروي الأديب والمحامي نجاة قصاب حسن قصة طريفة عن المرتزقة السنغال وهمجيتهم في دمشق فيقول: «كانت توجد – في بوابة الصالحية – دار المندوبية حيث يقيم المندوب السامي الفرنسي، وبعدها دار أركان الحرب الفرنسية. وكان هذا الجزء من الشارع محروساً بجنود سنغاليين يمنعون الناس من السير على الرصيف ويلقون الرهبة في النفوس. وأذكر أنني في صغري سرت من دون انتباه- لأنني طفل- على الرصيف أمام دار المندوبية فوجدتني أطير مقذوفاً بي إلى منتصف الشارع، فقد حملني العسكري الذي يحرس المندوبية و(دبني) بعيداً. ولست أنسى هذه الحادثة حتى الآن، ولا الحادثة الأخرى التي أكلت فيها كرباجاً من سنغالي في حين أنا صغير وأمشي مع أبي في سوق ساروجة. كانت هنالك مظاهرات، ودوريات سنغالية تسير في هذا السوق فصرخ هذا الجندي فجأة: «ديغاجيه» DEGAGEZ، أي ابتعدوا، وحرك كرباجه فأصابني في جبيني وأحسست بمثل سيخ النار..».

السنغال في مجزرة البرلمان
ارتكبت فرنسا مجزرتها الإرهابية بحق البرلمان السوري واستخدمت مرتزقة من السنغال، مزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات، إضافة للسلاح الأبيض من سواطير وسكاكين.. اقتحمت القوات الفرنسية مع عناصر السنغال المرتزقة مبنى البرلمان لتنفّذ أبشع جرائمها الوحشية، بتمزيق أجساد الناجين من المقاومين بالسواطير والحراب، والتمثيل بجثث من استشهدوا. فحين رفض العريف عبد اللـه من حامية البرلمان أن يحيِّي فرنسا وديغول أحاط به السنغال من كل جانب وضربه أحدهم بساطور على يده، كماضرب السنغال عبد اللـه باش على عنقه أمام عدد من عناصر حامية البرلمان وسار جسده بلا رأس عدة خطوات قبل أن يسقط على الأرض!!! وقاموا بضرب الشرطي إبراهيم إلياس الشلاح بالساطور على وجهه ويده وبقي يعاني من آثارهما إلى أن توفاه الله.
لن ينسى أهل سورية إجرام فرنسا ومرتزقتها وخاصة السنغال الذين جندهم الآن النظام السعودي لقتل أهلنا في اليمن، ودخل السنغال في الأمثال الشامية: «متل عسكر السنغال ما في بايئة».

وبعد
يقوم النظام السعودي باستيراد مقاتلين مرتزقة من أدغال إفريقيا للحرب على اليمن، تماماً كما عمل المستعمر الفرنسي في بلادنا السورية، فقد أعلنت حتى الآن كل من الدول الإفريقية، موريتانيا السنغال وغينيا والمغرب ومصر والسودان تأييدها لعاصفة الحزم وأرسل من أرسل من المرتزقة لتدمير اليمن والباقي ينتظر!!
وحين أعلنت السنغال إرسال جنود قرأت تعليقاً طريفاً خبيثاً: «أعجبني البيان السنغالي لتسويغ إرسال ٢٠٠٠ جندي سنغالي إلى السعودية تحت عنوان (الدفاع عن المقدسات)، يا ربي دخيلك الآن اكتشفتُ أن المسجد الأقصى المحتل من عام ١٩٦٧ ليس من مقدسات المسلمين فعذراً».

المراجع
نظام الانتداب الفرنسي على سورية – حكمت علي إسماعيل.
الكتاب الذهبي لجيوش الشرق – المترجم عام 1938 م
أرشيفي الخاص.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن