ثقافة وفن

الشباب الوطني و«القمصان الحديدية» … أول منظمة مقاومة شعبية في سورية

| شمس الدين العجلاني

تاريخ المقاومة الشعبية في سورية كان عبارة عن حركات ثورية شعبية يقودها بعض الزعماء الوطنيين والمتنفذين وقادة الأحزاب، ووجدت هذه المقاومة في عهد المحتل العثماني والمحتل الفرنسي، وكذلك في عهد الاستقلال ضد الفساد والطغيان، ولم يكن للدولة السورية أي تدخل في إدارتها وتوجيهها بشكل رسمي أو مباشر، إلى أن جاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وقامت المسيرات في أنحاء سورية تطالب بالتدريب على السلاح للدفاع عن مصر وطرد الاستعمار من البقاع العربية، هنا وجدت الدولة السورية أنه لا بد لها من تنفيذ رغبات الشعب ليكون له شرف الدفاع عن أرض الوطن العربي، وأخذت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة على عاتقها مسؤولية تدريب أبناء الشعب، وبتاريخ 14-8-1956 م أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أمراً بتشكيل قيادة خاصة مرتبطة بها تحت اسم القيادة العامة للمقاومة الشعبية.
في الثلاثينيات من القرن الماضي، وحين اشتدت المقاومة الشعبية ضد المحتل الفرنسي، تداعى عدد من القادة الوطنيين لتأليف هيئة قومية عربية، غايتها تحرير سورية الطبيعية وتوحيدها، وأطلقوا عليها اسم «الشباب الوطني».
وقد رأت هيئة «الشباب الوطني» أن الواجب يقضي بالعمل على الصعيد السياسي والعسكري لتحرير البلاد السورية من المحتل الفرنسي والبريطاني، فعقد عدد من القادة الوطنيين منهم من أصحاب الشأن السياسي ومنهم من له الباع والخبرة العسكرية، عدة اجتماعات بدمشق تقرر بعدها إنشاء منظمة شعبية سميت «القمصان الحديدية» وكان أفرادها متطوعون من دون راتب، ومركز القيادة بدمشق، وأحدثت لها في بقية المحافظات والمدن الفروع والمكاتب.
أقبل الشعب بمختلف طبقاته على التطوع في هذه المنظمة، وعين لهم لباس خاص بهم، وأخضعوا إلى تدريبات عسكرية. واتخذت منظمة «القمصان الحديدية» شعاراً لها…
قانون الشباب الوطني:
اتخذت هيئة الشباب الوطني شعاراً لها: قوميون – سياسيون – مهذبون – كفاحيون – تعاونيون، ووضعوا قانوناً خاصاً بهم مؤلفاً من خمس وأربعين مادة ومما جاء في مواده:
المادة 1: «الشباب الوطني» هيئة قومية عربية، غايتها تحرير سورية الطبيعية وتوحيدها، والعمل في سبيل تقارب البلاد العربية واتحادها.
المادة 2: «الشباب الوطني» هيئة سياسية تدرس الأوضاع والأحوال السياسة وتحدد موقفها منها وتشترك في بحث الحركات السياسية وتوجهها شطر تحقيق المقاصد الوطنية.
المادة 3: «الشباب الوطني» هيئة تهذيبية، تعمل على نشر مبادئ الأخلاق الإنسانية والوطنية، ورفع مستوى الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
المادة 4: «الشباب الوطني» هيئة كفاحية، تقوم على أساس الطاعة والنظام والتضحية وتدرب الشبيبة على أساليب مستمدة من التعاليم الرياضية والعسكرية.
المادة 5: «الشباب الوطني» هيئة تعاونية تقوي روح الأخوة بين أعضائها وتنشط مواهبهم وتشد أزرهم.
المادة 6: شعار «الشباب الوطني» مشعل ملتهب يحمله ساعد مفتول يقبض عليه بشدة، إشارة إلى رسالة الشباب الوطني، وهي الحرية، والحق، والقوة.
المادة 7: لباس «الشباب الوطني» الرسمي: قميص وبنطال من اللون الحديدي، أي الرمادي الذي يضرب إلى السواد.
المادة 8: قسم «الشباب الوطني» هو: أقسم بالله أن أخدم بلادي بشرف وإخلاص وتضحية، أقسم بالله أن أنفذ قانون «الشباب الوطني»، أقسم بالله أن أطيع من دون تردد أوامر اللجنة العليا وأتقيد بمقررات المجلس السياسي الأعلى.
المادة 9: تحية «الشباب الوطني» رفع الذراع الأيمن إلى الأعلى مع بسط الكف.
المادة 10: يؤلف «الشباب الوطني» فرقاً باسم القمصان الحديدية ويمكن أن يطلق عليها اختصاراً اسم الفرق الحديدية أو القمصان الحديدية ويرمز لها بحرفي «ف.ح».
ونظمت باقي مواد قانون «الشباب الوطني» طلبات الانتساب، وانتخابات اللجنة العليا، واللجان الخاصة، وأمين السر العام، والمجلس الخاص، والمجلس العام…

القمصان الحديدية
تعتبر فرق القمصان الحديدية منظمة تخضع لأسس وأهداف نبيلة، لها نظامها الخاص، وقادتها من سياسيين وعسكريين، وبذلك تعتبر أول منظمة مقاومة شعبية في منطقتنا، اشتهر أن مؤسسها الزعيم الوطني الشهير فخري البارودي، ولكن إنصافاً للحقيقة نقول: إن البارودي كان من مؤسسي هذه المنظمة ومن أهم العاملين فيها..
أنشأت «القمصان الحديدية» عام 1936م على غرار منظمات الفتوة العسكرية في العالم، أُريد لها أن تكون دعامة الجيش السوري المقبل.
عقد قادة «الشباب الوطني» العديد من الاجتماعات، وتم تكليف لجنة عسكرية من القادة العسكريين الذين مارسوا القيادة في الجيش العربي وكان منهم الضابط فخري البارودي، اتفقت هذه اللجنة على إيجاد نواة للجيش العامل الذي سوف يتشكل في سورية وأطلقوا عليه اسم «القمصان الحديدية» وهي منظمة مقاومة شعبية ضد المحتل الفرنسي والبريطاني، وتضمن قانون «الشباب الوطني» تنظيم جميع شؤون «القمصان الحديدية»…
اعتبر يوم 21 أيار من عام 1936م هو يوم انطلاق «القمصان الحديدية» حيث اجتمع عدة آلاف من الشباب السوري من جميع المحافظات والمدن والقرى بدمشق، وقدموا أنفسهم بأنهم شباب «القمصان الحديدية» يقدمون أنفسهم ضحية لهذا الوطن المقدس الذي يفدونه بأرواحهم..
وفتحت مكاتب ومراكز لـ«القمصان الحديدية» في كل المدن والمناطق السورية، وقوبلت بإقبال شعبي كبير..
كانت التدريبات العسكرية والرياضة تتم للعناصر في شوارع وساحات دمشق وخاصة ساحة المرجة والمرج الأخضر وتقابل بتهليل وترحيب كبيرين من الشارع السوري.

انطلاق «القمصان الحديدية»
تحت عنوان مهرجان الشباب الوطني الأول، انطلقت «القمصان الحديدية» بدمشق في شهر أيار من عام 1936 في هذه الاحتفالات تحدث العديد من الشخصيات السياسية السورية، ومما قاله لطفي الحفار موجهاً كلامه للشباب: «إذا لم تعاونوا العاملين المخلصين وإذا لم تقتدوا بالشهداء الصالحين وإذا لم تعشقوا بلادكم ووطنكم ولم تهيموا بحب لغتكم وأمتكم وإذا لم تعجبوا بماضيكم وتاريخكم… وإذا لم تثملوا بنشوة الغضب والكرامة لماضيكم وآتيكم، فلن تكونوا رجالاً صالحين».
أما المراقب العام للشباب الوطني سيف الدين المأمون فقال: «نريد ألا تكون التحية سهلة على ألسنتنا وألا يكون هنالك تقدير إلا للعمل شريطة أن يستحق التقدير فلقد أكثرت الأمة – وهي معذورة – من تحية كل خطيب وأديب وكاتب ذلك لأن الأمة كانت في ليل بهيم من الاضطهاد وهي تود أن تصغي لأناشيد الحرية وأن تدرك قسطها من هذه الحرية، أما وإنه آن لفجر الاستقلال أن ينبثق وأن نعيش في بلادنا أحراراً فيجب أن نقدر عمل المخلصين العاملين ودأبهم كما نقبح خيانة الخائنين ومروق المارقين..».
وألقى الدكتور أحمد السمان كلمة جاء فيها: «.. غاياتنا التهذيبية ستتناول النفوس بفضائل الأخلاق، وبروح الثورة على التقاليد البالية والأفكار الرجعية وبجهاد النفس قبل جهاد الغير، وبالثورة الروحية قبل الثورة الاجتماعية فالمرء الذي يثور على نفسه فيصلحها إنما هو المصلح الحقيقي، المرء الذي يثور على ما ورث، مما كان فاسداً أو أفسده الزمان فيصلحه أو ينبذه والذي يحق له أن يثور على الحكومة الفاسدة لأن من لا يثور على ما في نفسه لا ينجو من العبودية ولا يحق له أن يشكو العبودية..».
كما تناوب على الخطابة عن أهمية الشباب ومقارعة الاستعمار عدد آخر من السياسيين والأدباء منهم، أنور الجندي ومنير العجلاني ونسيب البكري..

الفرق الحديدية بدمشق
أنشأ بدمشق إحدى عشرة فرقة حديدية وهي فرقة يوسف العظمة وهي بقيادة الدكتور مدحت بيطار ويعاونه أكرم فرعون وتضم 125 عنصراً، وفرقة عمر بن الخطاب بقيادة عاصم النائلي ويعاونه نادر أحمد وتضم 180 عنصراً، فرقة صقر قريش بقيادة ياسين الحكيم ويعاونه بديع حتاحت وتضم 150 عنصراً، فرقة أحمد مريود بقيادة خالد خلف ويعاونه عبد القادر غندور وزهير قباني، وتضم 220 عنصراً، فرقة صلاح الدين الأيوبي بقيادة فهمي الحفار، ويعاونه حسين هيتو وممدوح عمر باشا، وتضم 280 عنصراً، فرقة أبو عبيدة الجراح بقيادة صبحي الدردري ويعاونه بشير قضماني وتضم 230 عنصراً، فرقة علي بن أبي طالب بقيادة شريف الوتار ويعاونه علي جعرش وعمر جعرش وتضم 700 عنصر، فرقة المنذر بقيادة توفيق شمس ويعاونه جورج قطيني، وتضم 140 عنصراً، فرقة فيصل الأول وتضم 160 عنصراً، فرقة خالد بن الوليد بقيادة مصطفى فخري الحواصلي، ويعاونه واصف مهايني وتوفيق كركتلي، وتضم 340 عنصراً، فرقة حرس الشاغور بقيادة محمود خدام السروجي ويعاونه صلاح دلول، وتضم 320 عنصراً.
من قادة القمصان الحديدية:
كان من قادة ومؤسسي «القمصان الحديدية» خيرة السياسيين والعسكريين السوريين منهم، فخري البارودي وكان المفتش العام، والقائد العام كان نزهت المملوك قائد درك الشمال حلب زمن المملكة السورية، نسيب البكري مراقب الشباب الوطني، أحمد السمان عضو اللجنة العليا، أحمد غصوب وكيل القائد العام، نشأت حسيني مرافق المفتش العام وعضو المجلس الخاص، منير العجلاني أمين السر العام…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن