ثقافة وفن

اقتحمت حياتنا رغماً عنا.. مواقع التواصل الاجتماعي… طريقكم إلى العزلة

| هبة الله الغلاييني

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحتاج إلى من يتواصل معه باستمرار، ويملأ عليه حياته ويدعمه بالرأي، وقد وفرت مواقع التواصل الاجتماعي للناس أن يشاركوا بعضاً من حياتهم الخاصة مع غيرهم، وأتاحت فرص التعبير وتسجيل المشاعر والانفعالات، حيث يشعر الناس بنوع من الرضا عندما يتفاعل الآخرون معهم ومع أخبارهم حتى ولو «بلايك»، لأن شيئاً ما في تركيبة الناس يجعلهم يريدون أن يسمعوا صوت ضحكات أو يتكلمون مع شخص ما، انطباعاته وأحلامه ويومه ما أنجز؟ بماذا يشعر؟… لكن ما النتيجة؟!.
لقد استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي غزو عقلك وأخذ وقتك الذي يصبح يهدر من دون شعور ولو بقليل من المسؤولية، فأنت لا ترى منها، إلا الجانب الإيجابي. أما سلبياتها وأضرارها التي قد تسبب إيذاءك وإيذاء من حولك فهي لا تعنيك، كل ما يهمك هو ملء الفراغ الذي تعيشه وكسب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، سواء أكانوا حقيقيين أم وهميين.
وبسؤالنا بعض الأشخاص الذين صرحوا بأنهم مدمنون على مواقع الاتصال، كان لنا وقفة مع الشاب (محمد حمزة) وهو في الرابعة والعشرين من عمره:
«أصبحت لا أستطيع التنقل من دون جهازي الذكي، أستعين بذكائه،….!! أتصفح صفحتي والواتس أب، منذ أن أفتح عيني صباحاً، وأتجول بين المواقع، وأتواصل بالشات مع أصدقائي في أوروبا، ومع أقربائي، حتى إن أهلي وإخوتي باتوا يفتقدون تواصلي معهم، ولحظات المرح وتبادل العبارات التي كنا نقضيها معاً، حتى إنني أمسك بهاتفي حتى أثناء تناول طعام العشاء معهم ليلاً!!».
وتقول «ولاء السقطي» وهي طالبة في كلية الطب: «أنا أنام واللابتوب في حضني، حتى إنني أنسى أحياناً أن أغلقه، فينتهي شحنه، في حين أغط بنوم عميق، بعد أن أكون قد دخلت بمحادثة شات قبل نومي، مع صديقي في الجامعة، وخضنا في نقاش عقيم وجدل سفسطائي، حول بعض أمور الدراسة والمجتمع ووضعنا كحبيبين نخطط للارتباط مستقبلاً. فأستيقظ ملهوفة وأشحن جهازي فوراً مع بدء نهار جديد لأرى ما فاتني مساءً من اللايكات والتعليقات ومحادثاتي التي لا تنتهي على موقع الشات والفايبر!! وطبعاً أصبح أهلي مستائين من عزلتي ووحدتي في غرفتي، وهم يحاولون أن أنخرط معهم بنشاطات العائلة وصلة الرحم….».
ويقول السيد «عبد الحفيظ الملاح» وهو أب لخمسة أبناء: «من المهم جداً أن ننتبه للفجوة الكبيرة التي أحدثتها هذه المواقع لنتمكن من تقليصها وتقليص دورها السلبي قدر الإمكان. إن الانحراف المتهور غير المحسوب خلفها سيقودنا بالطبع إلى الشعور بالعزلة والوحدة، لأننا ببساطة نتخلى عن اجتماعنا اليومي مع أقرب الأقربين لنا والتفاهم معه وجهاً لوجه، لنصنع عالماً افتراضياً يشبه أفكارنا وتطلعاتنا لدرجة أن أولادي الشباب أصبحوا بعيدين عني، وغريبين عن حياتي وطبعي، وقد حاولت مراراً أن أوقف لهم الراوتر، أو التقصير في دفع فاتورة الاتصالات، لكني لم أحصل على نتيجة، فهم يستعينون بـ«السيرف» الذي يضمن لهم تواصلاً في البيت وخارج البيت ولمدة 24ساعة في اليوم!!!.
ثم نضيف: ليتكم تخبرونني عن أهم السبل الإيجابية التي تنظم دخولهم على هذه المواقع، وتترك لهم فسحة من الوقت ليقضوها معنا، ويتابعوا دراستهم بجدية أكثر!!.
وبالنسبة إلى النساء فإن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يزداد عندهن، فقد تصل نسبة إدمانهن إلى ما يقارب 90%، وخاصة مجموعة النساء المطلقات أو الأرامل أو البعيدات عن أزواجهن بحكم الظروف الحالية، لأن منبع الشعور بالوحدة القاتلة يزداد لديهن، فيلجأن إلى مواقع التواصل للتفريغ عن همومهن وأشجانهن وإرواء النقص العاطفي والجسدي، فيتمسكن بشاشات الهواتف أو الكمبيوترات لفترات طويلة قد تعزلهن عن المحيط الخارجي، ويمكن أن يعشن ساعات من عذوبة الأحلام والتوقعات، التي يمكن أن تسبب لهن إحباطاً رهيباً، وخذلاناً كبيراً إذا ما ارتطمن بالواقع المرير.
تقول الخبيرة بالشؤون النفسية السيدة: «رنده شرف»: «إن التشويه المستمر للإيجابيات التي تقدمها هذه المواقع بات اليوم خطراً يهدد ترابطنا مع الآخرين، والسبب أن الكثيرين لا يحسنون استخدامها بالطريقة الصحيحة التي تخدم مصالحهم وتمنحهم مساحة كافية للتعبير عن رأيهم ضمن الحد الطبيعي ومن دون الخوض في الخصوصيات التي هي ملك لنا ولاتهم أحداً غيرنا. وبالنسبة للنساء عليهن ألا يخبرن أي غريب بتفاصيل مشاعرهن وحياتهن الخاصة، وخاصة فيما يتعلق بصورهن، وخاصة الصور الجريئة، حتى لا يستغل أي رجل ضعفهن وقلة ثقتهن بأنفسهن، وحاجاتهن إلى الدعم العاطفي أو الجسدي، ما قد يسبب لهن صدمة نفسية كبيرة، وخذلاناً بالمشاعر فيما بعد حين يرجعن إلى الواقع. فالدخول على «تويتر» أو أي مواقع أخرى ليس هو بالحل الوحيد سيدتي، ولا هو بالحل الواقعي، ولا هو بحل لوحدتك فهناك عشرات الطرق الأخرى تستطيعين القيام والتفكير بها بعيداً عن شاشات الهواتف والكمبيوترات، وعندما تدركين حجم المشكلة التي تقعين فيها وتلتفتين إلى حياتك الواقعية في ظل شريكك أو أسرتك فحتماً ستجدين نفسك تواجهين مشكلة مع شريكك وستجدين (الحل بدلاً من الهروب منها).
أما السيدة «أمل تسابحجي» وهي أم لثلاث بنات شابات فتفسر ممتعضة: « حاولت مراراً ثني بناتي عن الاستغراق أمام شاشات الهاتف والكمبيوترات، والالتفات جدياً إلى دراستهن ومواصلة تعليمهن، بعد أن أصبحت المسؤولة عنهن بعد وفاة والدهن، لكن لا حياة لمن تنادي!!! استخدمت كل السبل لأجذبهن إلى واقعهن، والقيام بزيارات عائلية، فصرت أحرج أمام الأقارب حين يصطحبن معهن أجهزتهن ويسألن أول وصولهن عن وجود «راوتر» عند المضيف! ليندمجن بعالم افتراضي خيالي بت أخاف عواقبه، فهن يرفضن استقبال الخطابات، ويستهزئن بهذه الطريقة ويصفنها بأنها «دقة قديمة». فهن يبحثن عن شريك مناسب من خلال الفيس بوك، فيسهرن الليالي وهن يقمن بمحادثات غريبة وخارج سيطرتي، وأنا أنصحهن مراراً بألا يرسلن صورهن وما يختص بهن إلى أي شخص مهما وثقن به، فالذي يريد أن يرتبط بهن عليه أن يدق باب منزلنا، وبشكل رسمي».
إن منصات التواصل الاجتماعي جعلت من علاقاتنا الاجتماعية اليوم هشة وضعيفة تفتقر إلى الألفة القائمة على اللمسة الحانية والنظرات الصادقة والمحبة الحقيقية التي تعجز تلك الأجهزة الصماء عن توصيلها، على الرغم من نجاحها في تقريبنا بالغائبين والمسافرين، فهي قد أبعدتنا عمن هم حولنا، نكتفي بتبادل الرسائل القصيرة وهذا جعلنا نبتعد عن أقاربنا وأصدقائنا الذين نحتاج إلى وجودهم فعلياً من دون أي حواجز لنشعر بالمحبة التي يكنونها لنا، وبأننا نشغل جزءاً مهماً من تفكيرهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن