ثقافة وفن

مشروع التوثيق لآثار والدي يحتاج إلى فريق كبير … أنطوان وديع الصافي لـ«الوطن»: زيارتي لسورية في وقت المحنة هو التعبير الحقيقي لمحبّتي لها

| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني

يحمل على عاتقه أمانة كبيرة ورثها من والده الفنان القدير «وديع الصافي»، ويسعى بحذر للسير على خطواتٍ رسمها له، وفي ذهنه الكثير من المشاريع الغنيّة حول توثيق مسيرة والده الراحل، واستقطاب المزيد من الأخبار عنه ممن عاصره ومما تركه من آثار نفخر بها جميعاً. الفنان «أنطوان الصافي» نجل الراحل «وديع الصافي» يسعى دوماً للمحافظة على الودّ والصداقة بين سورية ولبنان التي كان لها أساسها الطيب منذ أيام والده أيضاً، نجده في الأغنية الوطنيّة التي تتحدّث عن سورية، والسلام، والمحبّة، ونجده في الأغنية الأصيلة والشعبية والتراثية، ومن خلال حوارنا معه يقترح مجموعة من الأفكار لدعم الأغنية الهادفة، بالإضافة لتوجيهه رسالة إلى المعهد العالي للموسيقا في دمشق عبر «الوطن».

مع الكبار

لاحظنا حضور الفنان «أنطوان الصافي» مع الفنانين الكبار مثل «نجاح سلام» و«طوني حنا» وغيرهما ما يدلنا على ثباته في المتابعة على خطا والده والسعي نحو مشاريع توثيقية وحول هذه الفكرة كانت البداية: «رسالتي في الوسط الفنّي تتطلب حضوري بين الكبار أمثال: «نجاح سلام»، و«طوني حنّا»… وغيرهما، فهم من محبّي والدي، وقد عاصرت والدي 50 عاماً، ورافقته خلالها في نشاطاته، ولذلك علاقتي بأولئك ليست بالجديدة، فهي قديمة وهم أصدقاء للعائلة بالعموم، ورسالتي تتطلب مني التواصل معهم، ومن ضمن هذه الرسالة أن أكون صلة وصل بينهم وبين سورية للتنسيق معهم في تقديم تكريمات لائقة، كما حصل مؤخراً».

في مشروع التوثيق
يحتاج مشروع التوثيق لفريق متكامل وتنسيق كبير فيما بينهم وهذا ما فصّله لنا الفنان «أنطوان الصافي»: «يهمني كثيراً أن يكون هناك توثيق للماضي المجيد لوالدي، فأسعى لجمع ما يرويه الآخرون عنه دوماً، لكن الخطوات التوثيقية تحتاج إلى ورشة كبيرة، ووقت وتفرغ كبيرين مني، فحفلات والدي كثيرة في بلدان عربيّة وغربية، واليوم أكثر من 90% ممن عاصروه توفاهم الله، ولذلك أسعى للتعرف على الجيل الذي تلاهم أو بمعنى أبناء من عاصروه، وجيرانهم وإلى ما هناك، وأينما أذهب أُفاجأ بأخبار جديدة، ومساهمة له، وحكايات طيبة، ومشاركات للناس في أفراحهم، وأحزانهم، فوالدي عاش حياة الناس كما هم، وكان قريباً منهم، وانعكس هذا الشيء في فنّه، فكان مرآة حقيقية للواقع المعيش للناس، وأحداثهم، وبيئتهم، على مرور السنين، وكل شيء وارد في هذا السياق لتجميع المعلومات في كتاب وصياغتها بقصة معتمدة من أفراد العائلة لتكون مرجعاً للجميع في التاريخ، ولكن هذا الشيء سيأخذ كثيراً من الوقت».

تجربتي في الأغنية
قدّم الفنان «أنطوان الصافي» مجموعة من الأغاني الخاصّة فهو يمتلك خامة صوت جميلة ورثها عن والده الفنان الكبير «وديع» وحول هذه التجربة يتحدّث: «في عام 2007 لحنت أغنية من كلمات الشاعر «نبيل طعمة»، وهو ملهم ومحفّز للأعمال الوطنيّة، والأغنية كانت لسورية، وغناها والدي الذي كان متعباً صحياً في تلك الآونة، وأذكر أن اللحن أعجبه كثيراً، الأغنية الثانية كانت للسيد الرئيس «بشار الأسد» بعنوان «إلاك لا أملٌ» وهي قصيدة من تأليف الشاعر «وليم حصواني» وبعدها كانت أغنية «بدنا الهمّة وبدنا القمة» خاطبت فيها مؤتمر القمة العربية، كانت في بداية 2008، بالإضافة لمجموعة من الأغاني العاطفيّة وأغاني الدبكة والشعبيات، وأغان ذات طابع عائلي، والمهم لدي الكلمة فلا أختار أي كلام والمهم أن تبقى في ذاكرة المستمع».

كلمة لسورية
أحبّ «أنطوان الصافي» علاقته مع سورية فجسدها عبر الأغنية وعبر زياراته المتكررة إليها وهو يؤكد أنها لن تنقطع بل هي في ازدياد حتى في وقت الحرب والأزمة فمن الضروري أن تبقى هذه العلاقة التي كانت منذ أيام والده، وفي ذلك يقول أيضاً: «سورية صاحبة فضل على كلّ العرب وعلى فنانيهم دائماً، ولم نقابل من سورية إلا بكلّ المحبة والتقدير لوالدي، وأنا معني مباشرة بهذا الموضوع، وأحاول أن أتابع على الخط نفسه الذي رسمه والدي، وما زلت أقابَل بالمحبّة نفسها، والوفاء من سورية، وشعبها الطيّب، وفي وقت الأزمة يجب أن نزور سورية أكثر، ويجب أن نتواصل معها أكثر، ونقدّم المزيد من الأغنيات لها، فزيارتها في وقت الشدّة هو التعبير الحقيقي عن محبتي لها، وما نفع الزيارة في وقت السلام والراحة مقابل زيارتها في الأوقات الصعبة! واليوم نحن في حرب وبسبب ذلك قدمت أغنية لسورية بعنوان «سورية اللـه حاميها» من كلمات الشاعر اللبناني «إبراهيم مجذوب الصافي» وكان من المقرر أن يغنيها والدي، إلا أن المنية وافته قبل أن يقوم بذلك، فقمت بغنائها بعده، مع زملاء من سورية أيضاً، وهي من النوع الحماسي، وكذلك قدّمت أغنية لسورية بعد فوز الرئيس الأسد بالانتخابات وتقديراً للجيش العربي السوري، من كلمات «إبراهيم الصافي» أيضاً، وأنجزت أغنية لأبناء الشهداء، وكذلك أحضر أغنية ثالثة اليوم شارفت على الانتهاء منها، مهداة للجيش العربي السوري، الذي يحارب عن شرفاء العرب جميعهم ومهما قدّمنا له فلن نوفيه، وهي من كلمات الشاعر «ميشيل جحا»، وتقول الكلمات:
شرفت البطولة يا جيش الوطن وكرامة سورية حفرتها عالزمن
مين الغيرك قادر يتحدى المخاطر ويوقف متل السيف بوجه المحن
يا جيش الوطن

في تكريم نجاح سلام
«تابعت مؤخراً حفلة السيدة «نجاح سلام» في دار الأوبرا في دمشق، فوزارة الثقافة كلّفتني أن أكون همزة الوصل بينهم وبين عائلتها، وكانت سهرة من العمر بقيادة المايسترو «نظير مواس»، ولاحظت أن الناس في قمّة السعادة، والأجواء اصطبغت بلون من الفنّ والروحانيّات، وكان الختام في أغنية «سورية يا حبيبتي» الجميلة جداً، وأتمنى متابعة حفلات أخرى».

رسالة موجّهة للمعهد العالي للموسيقا
أضاف الفنان «أنطوان الصافي ملاحظته عن الحفلة وعن الاهتمام بالأغنية والموسيقا في سورية، وحول هذه الفكرة والتوجه في مدّ جسر من العلاقة الطيبة والتعاون مع المعهد العالي للموسيقا في دمشق يقول: «شعرت بأنّ هناك نهضة في سورية في المغنى الشرقي الحقيقي، وأشد يدي على أيديكم في سورية، وفي المعهد العالي للموسيقا في دمشق، ولدي رغبة في التواصل معهم لتكون المشاريع مشتركة، والأفكار مُنتجة، فمن المفروض ألا تخلو سورية من الناس المهمّة مهما حصل، ولو أرادوا التواصل للاستفادة من التجربة مع والدي، فلا مانع لدي في مشاركتهم بالتنسيق والتواصل. علينا أن نؤسس حتى تأتي أجيال تتعلم بصورة سليمة، فالأساس المتين هو ما سيبقى، والسعي للأصالة والتجدّد والمحافظة على اللون والبيئة، هو ما أسعى إليه، وعلينا الارتباط أكثر ببيئتنا وتراثنا وأصالتنا».

رسالة مشوّهة
اختصر الفنان «أنطوان الصافي» مشهد الجانب الثقافي فيما يتعلق بالأغنية العربية من خلال كلمة مهمّة بيّن فيها أيضاً البيئة السليمة في سورية من خلال ما يلي: «الفضائيات العربيّة اليوم لا تروج إلا للأشياء المعيبة في حقنا محاولةً إلغاء تراثنا العريق والعميق، فهي تلعب دوراً مزدوجاً بين التجارة والترويج ولو أن الإعلام يأخذ رسالته بصورة مستقلة لكنا منعنا كلّ هذا التشويه، بمنع الشركات الخاصّة في تلقي المال مقابل نشر أي شيء يصدّر على أنه فنّ عربي، وعلى الحكومات أن تضبط هذه المسائل، وعلى الناقد الفنّي اليوم ألا يتخلى عن دوره الفاعل، وليتعلم الموسيقا، وليكن لديه التجربة في العزف، فبذلك سيتفهم الموسيقا أكثر، وسيتفهم التعامل مع الوسط الفني بصورة سليمة، فالفن هو بيئة بالإضافة للعلم، وبالتالي نلغي الدور المزدوج للإعلام، إذ إن المنبر نفسه الذي يلتقي الفنان الملتزم يلتقي أيضاً المتسلق، وهذه المسألة مضرة جداً».

أمل من جديد
ختم لقاءه في هذه الجمل المحمّلة بالأمل ورغبة العمل والتعاون: «لكن أتأمل خيراً بوجود صروح ثقافيّة مثل دار الأوبرا في دمشق أو دار الأسد للثقافة والفنون، والمعهد العالي للموسيقا في دمشق، فهي تعنى بالطرب والأصالة. وكذلك أتفاءل فحيثما حللت أجد التشجيع والرغبة من الناس في الاستمرار على النهج الذي اعتمده، وهو الخط الذي بدأه والدي، فعندما أغني أجد من يصغي ومن يستمع بعيداً عن الضوضاء والهبوط».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن