مصر وجديد «عاصفة» آل سعود.. التباسات ومخاوف!
مأمون الحسيني
أثار إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد ساعات على تسلم البنك المركزي المصري ودائع قيمتها ستة مليارات دولار كانت السعودية والإمارات والكويت قد تعهدت بتقديمها إلى القاهرة، بأن بلاده «لن تسمح لأي قوى تسعى إلى بسط نفوذها على العالم العربي»، أثار أسئلة والتباسات ومخاوف من دور مصري محتمل في أي غزو بري أو بحري لليمن يجري التمهيد له، عسكريا وسياسيا ودبلوماسياً بشكل مكثف، ضمن إطار عملية «عاصفة الحزم» التي باتت تسمى «إعادة الأمل» التي تقوم فكرتها على مواصلة القصف الجوي والبحري والبري تجاه نقاط تعتبرها السعودية حساسة بالنسبة إلى خصومها في اليمن، وذلك بهدف السيطرة على عدن، بشكل رئيسي، وإعادة الرئيس المستقيل الفار عبد ربه منصور هادي وحكومته إليها، ولاسيما أن إعلان السيسي هذا جاء عقب اتفاق قيادتي الجيشين المصري والسعودي على إجراء مناورات مشتركة في منطقة الخليج.
ومع أن هذه الأسئلة والمخاوف ضرورية ومحقة ومشروعة في سياق الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، وتموضع جيوش الإعلام المرتزق في خطوط الهجوم الطائفي والمذهبي على «الحوثيين الزيديين» وضد إيران و«مشروعها» المعادي لـ«الأمة العربية»!، مقابل ارتفاع منسوب ابتزاز وإغراء آل سعود الذين لم ينظروا إلى اليمن، وطوال فترة حكمهم في شبه الجزيرة العربيّة، إلا كمحافظة تابعة لهم، أو بلد يجب استدامة احتضاره حتى يمكن السيطرة عليه بشكل دائم، وبالتالي، فهم لا يتحملون فكرة وجود يمن قوي لديه إمكانات وطاقات بشرية، ومتحرر من التبعية للمملكة والمنظومة الخليجية، على حدودهم الجنوبية، غير أن ثمة حيثيات ومعوقات يجب أخذها في الاعتبار عند الحديث عن أي دور مصري في عملية الغزو المفترض، وذلك بصرف النظر عن المعارضة الداخلية الواسعة لمشاركة كهذه، وعن تأكيدات طهران بأن «أمن المنطقة من أمن إيران»، وتشديدها على أنها سترد بقوة على أي إجراء من شأنه أن يعقد الوضع، سواء صدر من السعودية أو من أي جهة أخرى.
ما ينبغي استحضاره، في هذا السياق، هو أن الرهان السعودي كان منصبا، في البداية، على «استئجار» الجيش الباكستاني، وليس المصري، تحت مسمى «الشراكة» في «عاصفة الحزم». وحيثية ذلك هي محاولة إضفاء بعد ديني مذهبي على الصراع، وبلورة «محور سني» بقيادة آل سعود الذين يلقون القبض على الأماكن الإسلامية المقدسة، في مواجهة ما يسمى «المحور الشيعي» المفترض. غير أن رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في العدوان على اليمن جعل من الهرولة نحو مصر خيارا اضطراريا للسعوديين الذين يحرصون، بخلاف ما تروج له وسائل إعلامهم، على استبعاد أي أبعاد عربية للصراعات في المنطقة، سواء في اليمن أو سواه. ومرد ذلك هو أن القاهرة التي تعاني الإرهاب في الداخل وعلى الحدود، ستضع المسألة الليبية على جدول أعمال أي عمليات عسكرية قادمة، لأنها تشكل خطراً على الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وهو ما لا ترغب به ولا تريده السعودية التي تختصر «الأمن العربي والإسلامي» بأمن الخليج العربي والمملكة، ناهيك عن أن مصر ستكون المرشحة الأبرز، لأسباب متعددة، للعب الدور القيادي في أي تحالف عسكري أو سياسي عربي.
وعليه، وتحت وطأة هذه الاعتبارات، تأبط نجل الملك السعودي محمد بن سلمان، المسمى وزيرا للدفاع، ملفين متناقضين للقاهرة التي زارها بعد أقل من يوم على رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في العدوان: طلب بالمشاركة في أي عمليات برية محتملة؛ وطلب وساطة مع طهران للتوصل إلى حوار يمني داخلي، وهو ما تبين أنه مجرد من مناورة مبتذلة لانتزاع أرباح سياسية لم تحققها «عاصفة الحزم». ولذا، فإن تصريح الرئيس السيسي بشأن «أمن المنطقة»، بعد التعاطي الإيراني الإيجابي مع الجهود المصرية، وبعد «تقنين» تصريحات المسؤولين المصريين بشأن دور بلادهم في العدوان على اليمن، سيبقى «حمال أوجه» يمكن تفسيره ومقاربته بقراءات وترجمات عدة.