قضايا وآراء

«تبادل نقاط الرباط»: هل يرفع الغطاء عن النصرة؟

| عامر نعيم إلياس 

تمثّل جبهة النصرة، الذراع الرسمية للقاعدة في سورية، العصب العسكري الأساسي لأي تقدّم ميداني مرجو في الساحة السورية على امتدادها، وخاصةً في الشمال السوري الذي يشهد منذ أسبوعين معارك عنيفة للسيطرة على مدينة حلب ورسم خطوط تماس ميداني جديدة في المدينة، التي عزّزت جبهة النصرة وجودها العسكري فيها بناءً على اتفاق «تبادل نقاط الرباط» في آب الماضي والذي بموجبه أخلت النصرة أماكن وجودها في بعض الريف الشمالي لمدينة حلب، وبعض نقاط التماس المباشر مع «داعش»، لمصلحة الحركات المنضوية في ما يسمى «الجبهة الشامية» كحركة نور الدين زنكي.
حينها كان الهدف تحييد النصرة وليس فك الارتباط بينها وبين الميليشيات المسلحة الأخرى، فالتوقيت كان متزامناً مع بدء طائرات تحالف أوباما للحرب على «داعش» غاراتها الأولى على سورية من قاعدة إنجرليك التركية، وهو ما يقتضي ضرب «داعش» وتحييد النصرة عبر إعادة الانتشار، والتمهيد إن أمكن، وهو ما لم يحصل، لملء الفراغ الناتج عن انسحاب «داعش» تحت الضربات المفترضة للتحالف الدولي، بجماعات مسلّحة مرتبطة بأنقرة وواشنطن ويقال عنها إنها «معتدلة».
اليوم تقول المعلومات إن عملية إعادة انتشار أخرى سيتم تنفيذها في عاصمة الشمال السوري لكن أهدافها لا تقتصر على تبادل نقاط التموضع، وتبادل الجبهات والأراضي بين المجموعات المسلحة، لكنها تهدف إلى تحميل النصرة مسؤولية التصعيد الذي جرى في حلب وبالتالي عزلها وجعلها هدفاً مشروعاً للرد على انتهاكات الهدنة الذي يبدو أنه من بين الأمور التي تم التوصّل إليها مؤخراً في سياق التفاهمات الأميركية الروسية لإبقاء الهدنة في سورية على قيد الحياة، لكن هل من الممكن رفع الغطاء عن النصرة في سورية؟
تشكّل النصرة روح التقدم الميداني وعصب الجماعات المسلّحة العاملة على الأراضي السورية، وأي تقدّم خاصةً في شمال البلاد لا يمكن له أن يتم من دون شرطين، إما التعاون مع النصرة إلى حد الاندماج كما جرى ويجري في حلب مؤخراً، أو تحييد النصرة عن المعركة وفق تفاهمات معيّنة كما جرى في ريف حلب الشمالي في آب الماضي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن عزل النصرة وإعطاء الفرصة لتدميرها تحت بند الرد على خروقات الهدنة، سيؤدي حتماً إلى فقدان القوة الضاربة القادرة على مواجهة الجيش السوري والقوات الرديفة في الشمال التي توازي «داعش» من حيث القدرات التسليحية والمالية والبشرية، فهل الولايات المتّحدة التي تصطدم هي الأخرى، كما باقي الأقطاب على الساحة السورية، بملف الشريك المناسب والعامل الكمّي المفقود، تستطيع أن تتخلى عن النصرة. ماذا عن تركيا وتحالفها العضوي مع النصرة، هل تستطيع تركيا العدالة والتنمية التفريط بورقتي «داعش» والنصرة في سورية، وفي الشمال تحديداً، دفعة واحدة، مقابل منحها «منطقة أمر واقع آمنة» لا يمكن ضمان أمنها؟.
إن الاتجاه إلى عزل النصرة يحمل في طياته مخاطر كبيرة لا يمكن للجماعات المسلحة العاملة في شمال البلاد تحمّل تبعاتها، وفي مقدّمها فقدان جزء من القاعدة المقاتلة لهذه المجموعات لمصلحة النصرة التي تستطيع تجيير هذا الأمر شرعياً على قاعدة «الحرب على الكفار» و«الحرب على الخوارج». كما أن هذه المجازفة تحمل في طياتها خطر تنسيق الأعمال القتالية بين قطبي القوة الميدانية الإرهابية المسلّحة في سورية، النصرة و«داعش»، وهو أمرٌ يعقّد الصورة في وجه الأميركي الساعي فقط إلى محاربة «داعش» وتحرير الرقة والموصل قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما.
إن الحديث عن عزل النصرة في سورية يندرج هو الآخر في سياق محاولة احتواء أي تقدّم ميداني أو حتى خطة لتغيير التوازن في مدينة حلب، ولنا في عودة التنسيق بين فصائل ما يسمى «جيش الفتح» الذي تشكّل النصرة نواته خير دليل على الازدواجية الساخرة في شمال سورية.
كاتب ومترجم سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن