من دفتر الوطن

في محيط الحكاية

| حسن م. يوسف 

في مستهل علاقتي بالكتابة وقعت عهداً بيني وبين مهنتي، أن أكتب كل واحدة من كلماتي، كما لو أنها الأخيرة، وأن أحترم التزاماتي في مختلف الظروف، ولو كنت مريضاً أو في آخر الدنيا!
صحيح أنني لا أعاني من قلة المواضيع والأفكار الصالحة للكتابة، فلدي منها ما يكفيني لأشهر عديدة، غير أني أعاني في العثور على موضوع متوافق مع شحنتي الآنية التي قد تكون في بعض الحالات مشوشة ومتقطعة بحيث لا تتفق مع كل الأفكار والمواضيع المتوفرة لدي! خاصة في الحالات النادرة التي ينتابني خلالها يأس رمادي من البشر، نتيجة رجحان كفة الشر في هذا العالم وضعف جبهة الخير، كما الآن، وعندها أحبط لدرجة أشعر معها أنني عديم الشحنة تماماً. وأغدو أشبه بشبكة قطع عنها التيار الكهربائي. كل شيء فيها جاهز لكنها رغم ذلك عديمة الفائدة!
في مثل هذه الحالة ألجأ إلى الحكاية، كي آخذ قبساً من شحنتها باعتبارها روح العالم. وهأنذا أفعل.
قبل قليل أخذت نفساً عميقاً وأغمضت عيني وغصت في محيط الحكاية، عبرتني مئات الحكايات الجميلة التي تقول الكثير لمن يشعرون بالألم وخيبة الأمل مثلي، غير أني توقفت أخيراً عند حكاية رمزية لست أذكر كيف رسخت في ذاكرتي ولا من أين وصلت إليها!
تقول الحكاية إن فأراً كان يعيش في مزرعة كل شيء فيها متوفر، وذات يوم رأى الفأر صاحب المزرعة يفتح علبة من الكرتون فسال لعابه، ممنِّياً نفسه بأكلة شهية، لكن الفأر سرعان ما أصيب بالذعر عندما رأى الرجل يخرج من الصندوق مصيدة فئران.
انطلق الفأر في أرجاء المزرعة وهو يصيح بهلع: «الويل لنا جميعاً، لقد أخرجوا المصيدة… الويل لنا!» رفرفت الدجاجة بجناحيها وخاطبت الفأر باحتقار: «الويل لك وحدك! أنا دجاجة وهذه مصيدة للفئران فلا تزعجنا بعويلك الكريه».
قال الخروف مفتخراً بصوفه وقرونه: «ما تقوله الدجاجة صحيح! فاخرس وكف عن إزعاجنا! وإذا كنت جباناً فعليك أن تكف عن السرقة والتخريب وقرض الحبال والأخشاب؟ هيا اذهب واختبئ ولا تزعجنا بزعيقك!».
ذهب الفأر إلى الثور وأخبره بقصة المصيدة وهو يرتجف، فضحك الثور من قلة عقل الفأر وقال له باستخفاف: «وهل تمسك هذه المصيدة الثيران من أمثالي؟ لقد أخفتني يا أخي! لهذا سأطلب اللجوء السياسي في حديقة الحيوان!».
شعر الفأر بحزن شديد لأنه لم يجد أذناً صاغية لدى الجميع فانكفأ على نفسه، وراح يبحث بحرص عن المصيدة، وعندما حدد مكانها شعر بالاطمئنان ونام.
فجأة استيقظ الفأر على صوت انطباق المصيدة فتسلل إلى قربها يريد أن يعرف من هو سيئ الحظ الذي أطبقت عليه. فوجد في المصيدة ثعباناً يتلوى وقد أطبقت المصيدة على ذيله.
سمعت زوجة المزارع صوت انطباق المصيدة فأوقدت شمعة واتجهت إليها، وقبل أن تدرك حقيقة الوضع هناك كان الثعبان قد لدغها. نقل المزارع زوجته إلى المستشفى حيث حقنت بالترياق، ثم عاد بها إلى البيت، وهي تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة. وبما أن الشخص المحموم بحاجة إلى سوائل، فقد قام المزارع بذبح الدجاجة، وصنع منها حساء لزوجته.
في اليوم التالي سمع الأهل والجيران بالمصيبة التي حلت بزوجة المزارع فجاؤوا لعيادتها، فكان لابد للمزارع من أن يذبح الخروف لإطعامهم.
بعد ثلاثة أيام توفيت الزوجة المسكينة، فجاء الناس بالمئات لتعزية المزارع فاضطر لذبح الثور وقدمه طعاماً لهم.
المهم في الأمر هو أن الحيوان الوحيد الذي بقي حياً هو الفأر الذي شعر بالخطر!
وفهمكم كفاية!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن