قضايا وآراء

«أردوغان» وجبهة الشمال

| خالد العبود 

لا نعتقد أن ما يحصل في حلب هي محاولات جديدة لإسقاط «النظام السوري»، أو هي محاولات لتقسيم سورية وتفكيكها، في ظل مشهد سياسي عسكري جديد كان يتشكل نتيجة صمود الدولة السورية وتضحيات أبنائها، لكنه لا ينفصل عما هو حاصل على أطراف جبال اللاذقية، وهو قولاً واحداً لا يشبه أو يحاكي الحاصل في مناطق أخرى تبدو حرارة المواجهة منخفضة فيها قليلاً.
إن دول الإقليم، وخاصة العربي منها، متعبة جداً لجهة المعركة التي ساهمت فيها، من خلال عدوانها على سورية، ويبدو أنها لم تعد قادرة على المزيد من المشاركة أو المساهمة في هذا العدوان، ليس لكرم أخلاق منها، أو لمراجعات ذهبت إليها في تقيمها لطبيعة الحاصل في سورية، وإنما كان هذا التحول ناتجاً عن طبيعة المعركة ذاتها، وإفشال هذا العدوان في عناوين رئيسية منه.
فالحكومة الأردنية لم تعد قادرة على مزيد من المساهمة في ظل إفشال جميع الأهداف التي ساهمت فيها، وخاصة لجهة جبهة الجنوب، فقد كان معولاً أن تكون النتائج غير ما جاءت عليه اليوم، حيث نجحت الدولة السورية في صد عدوان الجنوب، وحافظت على بقاء الدولة ومؤسساتها، من خلال إفشال قيام النموذج البديل للدولة في هذا الجنوب، ومن خلال الإبقاء على مؤسسة الدولة باعتبارها الجاذب الأساس والرئيسي لبقاء الدولة وصمودها، والحيلولة دون تقدم أطراف العدوان في أي من العناوين التي حاولت أن تتقدم من خلالها.
لقد حاولت الحكومة الأردنية جاهدة أن تستفيد من مناخ العدوان على سورية، فهي لم تذهب بعيداً في أهداف تعيد من خلالها رسم خريطة المنطقة، أو المساهمة فيها، بمقدار ما عملت على الاستفادة من العدوان في تحسين شروط وظروف الأردن على حساب دماء السوريين، وهي لم تقف في وجه هذا الصاعد الجديد الذي وجدت فيها مشروعاً يعيد تأمين خرائط جديدة يمكن أن تحافظ من خلاله على حضورها ووجودها.
واليوم لم تعد للحكومة الأردنية خيارات أخرى، فهي قادرة على الالتفاف مباشرة أمام الالتفافة الكبرى لأطراف العدوان، والتراجع عما قامت به أو بذلته في سبيل ذلك، لكنها سوف تحاول جاهدة وتعمل في ظل فض الاشتباك الكلي على الاستفادة من المناخ الكلي الجديد الصاعد.
الحكومة الأردنية بهذا المعنى أضحت محكومة بالتوافقات الكلية، وهي تنتظر نتائج هذه التوافقات، ولا غضاضة لديها أن تعيد علاقاتها المباشرة مع سورية، بمجرد أنها وجدت أن المناخ العام أضحى يذهب بهذا الاتجاه، لهذا فهي طرف إقليمي عربي شكل أداة استعمال في سياق العدوان، وهي نتيجة هذه المساهمة بقيت في حدود المساهمة بعيداً عن أهداف بعيدة لها علاقة بالخريطة الكلية للمنطقة.
لهذا نستطيع القول إن جبهة الجنوب تنتظر هذه التوافقات، وهي جبهة ستعيد رسمها توافقات إقليمية ودولية، أساس هذه التوافقات أن الدولة السورية صمدت، وأنها أساسية في هذا المشهد، وهو ما دفع «نتنياهو» كي يذكر بموقفه من الجولان المحتل، أملاً في تحميله على التوافقات القادمة، والدفع بالجنوب كي يعود جبهة محكومة بقواعد اشتباك ما قبل العدوان على سورية.
أما جبهة الشمال، ونعني بها حلب والشريط الجبلي مع اللاذقية، فهي مختلفة تماماً، باعتبار أن «أردوغان» كان مغموساً في المشروع الأميركي، وحاملاً له وفق أهداف كانت تعنيه، لكون أن نسقاً إخوانياً كان مساهماً رئيسياً في هذا المشروع، ومن ثم فإن «أردوغان» تجاوز الدور الذي لعبته الحكومة الأردنية أو بعض القوى اللبنانية أو حتى قوى معينة داخل العراق، كما أن أهدافه في سورية تختلف عن أهداف كيان الاحتلال فيها.
في ظل هذا المشهد لم يكن «أردوغان» قادراً على الخروج من الوحل السوري، فهو لم يكن يظن أن الفوضى التي ساهم وشارك فيها سوف تنقلب عليه، وسوف ترتد وبالاً على تركيا والمنطقة، حيث اعتبر أن تلك الفوضى سوف تنال من سورية فقط، وسوف تسقط الحكم فيها، الأمر الذي سيجعل يده طويلة في سورية والمنطقة.
لم تكن نتائج العدوان على سورية كما توقع «أردوغان»، فالفوضى لم تقتصر على سورية، وإنما عمت أجزاء كبيرة من المنطقة، ونعتقد أن أكثر من سيعاني من ملحقاتها هي تركيا ذاتها، وهو ما فهمه «أردوغان» جيداً، ومن ثم فإن إمكانية الخروج من الاشتباك تحتاج إلى موافقته، كما أن سلامة حكم «أردوغان» تحتاج إلى توافقات إقليمية ودولية، وهي جميعها مرتبطة بلحظة الاشتباك الحاصل في سورية ونتائجه.
يدرك «أردوغان» أكثر من سواه، أنه نافق سياسياً إذا لم يضمن بقاءه في ظل التوافقات التي ستكون منصة فض اشتباك إقليمي ودولي كبير في سورية، غير أن السوريين يدركون أيضاً أن حماية «أردوغان» غير واردة، وبقاءه أيضاً غير وارد، وهنا يكمن جوهر جبهة حلب، فـ«أردوغان» يريد إطالة عمر الاشتباك، كما أنه يحتاج إلى نتائج أفضل له، كي يستطيع أن يساهم بها لجهة التوافقات التي يمكن أن تساعده على بقائه حاكماً لتركيا.
بهذا المعنى نعتقد أن «أردوغان» في جبهة الشمال، ولم يعد محكوماً بناتج ميداني، بمقدار ما هو محكوم بناتج التوافقات الصاعدة، وكل هذه التوافقات تشير إلى أن الاستثمار في هذه الجبهة، «أردوغانياً»، لم يعد مفيداً لخلاصه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن